للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مما ينتفع به في الدين. ولو كانت فيه فائدة تعود على المكلفين في دينهم لبينته هذه الشريعة الكاملة الشاملة. والذي نسلكه (١) في هذا التفسير الإعراض عن كثير من الأحاديث الإسرائيلية، لما فيها من تضييع الزمان، ولما اشتمل عليه كثير منها من الكذب المروج عليهم، فإنهم لا تفرقة (٢) عندهم بين صحيحها وسقيمها كما حرره الأئمة الحفاظ المتقنون من هذه الأمة.

والمقصود هاهنا: أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده، من قبل، أي: من قبل ذلك، وقوله: (وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) أي: وكان أهلا لذلك.

ثم قال: (إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) هذا هو الرشد الذي أوتيه من صغره، الإنكار على قومه في عبادة الأصنام من دون الله، ﷿، فقال: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) أي: معتكفون على عبادتها.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد الصباح، حدثنا أبو معاوية الضرير، حدثنا سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: مر عليّ، على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لأن يمس صاحبكم جمرًا حتى يطفأ خير له من أن يمسها.

(قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ): لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال؛ ولهذا قال: (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي: الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم، فأنتم وهم في ضلال على غير الطريق المستقيم.

فلما سفه أحلامهم، وضلل آباءهم، واحتقر آلهتهم (قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ) يقولون (٣): هذا الكلام الصادر عنك تقوله لاعبًا أو محقًا فيه؟ فإنا لم نسمع به قبلك.

(قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) أي: ربكم الذي لا إله غيره، هو الذي خلق السماوات [والأرض] (٤) وما حوت من المخلوقات الذي ابتدأ خلقهن، وهو الخالق لجميع الأشياء (وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي: وأنا أشهد أنه لا إله غيره، ولا رب سواه.

﴿وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧)

ثم أقسم الخليل قسمًا أسمعه بعض قومه ليكيدن أصنامهم، أي: ليحرصن على أذاهم وتكسيرهم بعد أن يولوا (٥) مدبرين أي: إلى عيدهم. وكان لهم عيد يخرجون إليه.


(١) في هـ: "يذكر" والمثبت من ف.
(٢) في ف: "لا معرفة".
(٣) في ف: "يقول".
(٤) زيادة من ف.
(٥) في ف: "تولو".