للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يا نفس، إنك لم تخلقي لوطء الفرش (١)، ما تركت ذلك إلا ابتغاء وجهك. رواه ابن أبي حاتم.

وقد ذكر عن وهب بن منبه في خبره قصة طويلة، ساقها ابن جرير وابن أبي حاتم بالسند عنه، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين، وفيها غرابة تركناها لحال الطول (٢).

وقد روى أنه مكث في البلاء مدة طويلة، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء، فقال الحسن وقتادة، ابتلي أيوب، ، سبع سنين وأشهرًا، ملقى على كُنَاسَة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده ففرج الله عنه، وعَظَمَّ له الأجر، وأحسن عليه الثناء.

وقال وهب بن منبه: مكث في البلاء ثلاث سنين، لا يزيد ولا ينقص.

وقال السدي: تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزاد يكون فيه، فقالت له امرأته لما طال وجعه: يا أيوب، لو دعوت ربك (٣) يفرج عنك؟ فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحًا، فهل (٤) قليل لله أن أصبر له سبعين سنة؟ فجَزَعت من ذلك فخرجت، فكانت تعمل للناس بأجر وتأتيه بما تصيب فتطعمه، وإن إبليس انطلق إلى رجلين من فلسطين كانا صديقين له وأخوين، فأتاهما فقال: أخوكما أيوب أصابه من البلاء كذا وكذا، فأتياه وزوراه واحملا معكما من خمر أرضكما، فإنه إن شرب منه بَرَأ. فأتياه، فلما نظرا إليه بكيا، فقال: من أنتما؟ فقالا (٥): نحن فلان وفلان! فرحَّب بهما وقال: مرحبًا بمن لا يجفوني عند البلاء، فقالا يا أيوب، لعلك كنت تُسر شيئًا وتظهر غيره، فلذلك ابتلاك الله؟ فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: هو يعلم، ما أسررت شيئًا أظهرت غيره. ولكن ربي ابتلاني لينظر أأصبر أم أجزع، فقالا له: يا أيوب، اشرب من خمرنا فإنك إن شربت منه بَرَأت. قال: فغضب وقال جاءكما الخبيث فأمركما بهذا؟ كلامكما وطعامكما وشرابكما عليّ حرام. فقاما من عنده، وخرجت امرأته تعمل للناس فخبزت لأهل بيت لهم صبي، فجعلت لهم قرصًا (٦)، وكان ابنهم نائمًا، فكرهوا أن يوقظوه، فوهبوه لها.

فأتت به إلى أيوب، فأنكره وقال: ما كنت تأتيني بهذا، فما بالك اليوم؟ فأخبرته الخبر. قال: فلعل الصبي قد استيقظ، فطلب القرص فلم يجده فهو يبكي على أهله. [فانطلقي به إليه. فأقبلت حتى بلغت درجة القوم، فنطحتها شاة لهم، فقالت: تعس أيوب الخطاء! فلما صعدت وجدت الصبي قد استيقظ وهو يطلب القرص، ويبكي على أهله] (٧)، لا يقبل منهم شيئًا غيره، فقالت: رحم الله أيوب فدفعت القرص إليه ورجعت. ثم إن إبليس أتاها في صورة طبيب، فقال لها: إن زوجك قد طال سُقمه، فإن أراد أن يبرأ فليأخذ ذبابًا فليذبحه باسم صنم بني فلان فإنه يبرأ ويتوب بعد ذلك. فقالت ذلك لأيوب، فقال: قد أتاك الخبيث. لله عليّ إن برأت أن أجلدك مائة جلدة. فخرجت تسعى عليه، فحظر عنها الرزق، فجعلت لا تأتي أهل بيت فيريدونها، فلما اشتد عليها ذلك وخافت على أيوب


(١) في ف: "الفراش".
(٢) تفسير الطبري (١/ ٤٢).
(٣) في ف، أ: "الله".
(٤) في أ: "فهو".
(٥) في ف، أ: "قالا".
(٦) في ف، أ: "قرصة".
(٧) زيادة من ف، أ.