للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ إِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ، دَعَوْهُ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ} أَيْ: ذَهَبَ عَنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ مَا تَعْبُدُونَ غَيْرُ اللَّهِ، كَمَا اتُّفِقَ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ لَمَّا ذَهَبَ فَارًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ، فَذَهَبَ هَارِبًا، فَرَكِبَ فِي الْبَحْرِ لِيَدْخُلَ الْحَبَشَةَ، فَجَاءَتْهُمْ (١) رِيحٌ عَاصِفٌ، فَقَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْكُمْ إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ اللَّهَ وَحْدَهُ. فَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي نَفْسِهِ: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ، اللَّهُمَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدٌ، لَئِنْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهُ لَأَذْهَبَنَّ فَأضعن (٢) يَدِي فِي يَدَيْهِ (٣) ، فَلْأَجِدَنَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا. فَخَرَجُوا مِنَ الْبَحْرِ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ (٤) إِسْلَامُهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} أَيْ: نَسِيتُمْ مَا عَرَفْتُمْ مِنْ تَوْحِيدِهِ فِي الْبَحْرِ، وَأَعْرَضْتُمْ عَنْ دُعَائِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

{وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا} أَيْ: سَجِيَّتُه هَذَا، يَنْسَى النِّعَمَ وَيَجْحَدُهَا، إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ.

{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا (٦٨) }

يَقُولُ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنْ نُخْرِجَكُمْ (٥) إِلَى الْبَرِّ أَمِنْتُمْ مِنَ انْتِقَامِهِ وَعَذَابِهِ!

{أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} ، وَهُوَ: الْمَطَرُ الَّذِي فِيهِ حِجَارَةٌ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ (٦) حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [الْقَمَرِ: ٣٤] وَقَدْ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} (٧) [هُودٍ: ٨٢] وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [الْمُلْكِ: ١٦، ١٧] .

وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا} أَيْ: نَاصِرًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَنْكُمْ، وَيُنْقِذُكُمْ مِنْهُ [وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ] (٨) .

{أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (٦٩) } .

يَقُولُ تَعَالَى: {أَمْ أَمِنْتُمْ} أَيُّهَا الْمُعْرِضُونَ عَنَّا بَعْدَمَا اعْتَرَفُوا بِتَوْحِيدِنَا فِي الْبَحْرِ، وَخَرَجُوا إِلَى الْبَرِّ (٩) {أَنْ يُعِيدَكُمْ} فِي الْبَحْرِ مَرَّةً ثَانِيَةً {فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ} أَيْ: يَقْصِفُ الصَّوَارِيَ


(١) في ف: "فجاءهم".
(٢) في ت: "فأضع"، وفي ف: "فلأضعن".
(٣) في أ: "يدي محمد".
(٤) في ت: " صلى الله عليه وسلم فأحسن".
(٥) في ت، "أن يخرجوكم"، وفي ف، أ: "أن يخرجكم".
(٦) في ف: "عليكم" وهو خطأ.
(٧) في ت، ف، أ: "من طين" وهو خطأ.
(٨) زيادة من ف.
(٩) في ت: "إلى التراب".

<<  <  ج: ص:  >  >>