للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي: اختلفت الأمم على رسلها، فمن بين مُصَدق لهم ومكذب؛ ولهذا قال: (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) أي: يوم القيامة، فيجازَى كل بحسب عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر؛ ولهذا قال: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي: قلبه مصدق، وعمل عملا صالحا، (فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ)، كقوله: ﴿إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا﴾ [الكهف: ٣٠] أي: لا يُكْفَر سعيُه، وهو عمله، بل يُشْكَر، فلا يظلم مثقال ذرة؛ ولهذا قال: (وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) أي: يُكتب جميعُ عمله، فلا يَضيع عليه منه شيء.

﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (٩٧)﴾.

يقول تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ) قال ابن عباس: وجب، يعني: قدرًا مُقَدرًا (١) أن أهل كل (٢) قرية (٣) أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة. هكذا صرح به ابن عباس، وأبو جعفر الباقر، وقتادة، وغير واحد.

وفي رواية عن ابن عباس: (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) أي: لا يتوبون.

والقول الأول أظهر، والله أعلم.

وقوله: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ): قد قدمنا أنهم من سلالة آدم، ، بل هم من نسل نوح أيضا (٤) من أولاد يافث أبي الترك، والترك شرذمة منهم، تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين.

وقال: ﴿هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾ [الكهف: ٩٨، ٩٩]، وقال في هذه الآية الكريمة: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) أي: يسرعون في المشي إلى الفساد.

والحَدَب: هو المرتفع من الأرض، قاله ابن عباس، وعكرمة، وأبو صالح، والثوري وغيرهم، وهذه صفتهم في حال خروجهم، كأن السامع مشاهد لذلك، ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤]: هذا إخبار عالم ما كان وما يكون، الذي يعلم غيب السموات والأرض، لا إله إلا هو.

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن مثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عُبَيد الله بن أبي يزيد قال: رأى ابُن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض، يلعبون، فقال ابن عباس: هكذا


(١) في ت، ف: "مقدورا".
(٢) في ت، ف: "إن كل أهل".
(٣) في ت: "القرية".
(٤) في ف، أ: "".