للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، فكَفى به دليلا على علم الساعة، يقول: ﴿فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [الزخرف: ٦١] (١).

وهذا الذي قاله ابن الزبعرى خطأ كبير؛ لأن الآية إنما نزلت خطابًا لأهل مكة في عبادتهم الأصنام التي هي جماد لا تعقل، ليكون ذلك تقريعًا وتوبيخًا لعابديها؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ فكيف يورد على هذا المسيح والعزير (٢) ونحوهما، ممن (٣) له عمل صالح، ولم يَرْضَ بعبادة من عبده. وعَوّل ابن جرير في تفسيره في الجواب على أن "ما" لما لا يعقل عند العرب.

وقد أسلم عبد الله بن الزبعرى بعد ذلك، وكان من الشعراء المشهورين. وكان يهاجي المسلمين أولا ثم قال معتذرًا:

يا رَسُولَ المليك، إنّ لساني … رَاتقٌ مَا فتَقْتُ إذْ أنَا بُورُ

إذْ أجَاري الشَّيطَانَ في سَنَن الغَي … وَمَنْ مَالَ مَيْلَه مَثْبُور (٤)

وقوله: (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ) قيل المراد بذلك الموت. رواه عبد الرزاق، عن يحيى بن ربيعة عن عطاء.

وقيل: المراد بالفزع الأكبر: النفخة في الصور. قاله العَوْفي عن ابن عباس، وأبو سِنَان سعيد (٥) ابن سنان الشيباني، واختاره ابن جرير في تفسيره.

وقيل: حين يُؤْمَر بالعبد إلى النار. قاله الحسن البصري.

وقيل: حين تُطبق النار على أهلها. قاله سعيد بن جُبَيْر، وابن جُرَيج.

وقيل: حين يُذبَح الموت بين الجنة والنار. قاله أبو بكر الهذلي (٦)، فيما رواه ابن أبي حاتم، عنه.

وقوله: (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)، يعني: تقول لهم الملائكة، تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم: (هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي: قابلوا (٧) ما يسركم.


(١) السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٣٥٨)، ورواه الطبري في تفسيره (١٧/ ٧٦).
(٢) في ف: "وعزير".
(٣) في ت: "وممن".
(٤) البيتين في السيرة النبوية لابن هشام (٢/ ٤١٩).
(٥) في ت، ف، أ: "سعد".
(٦) في ف، أ: "الهمداني".
(٧) في ت: "فأملوا".