للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)﴾.

لما ذكر تعالى المخالف للبعث، المنكر للمعاد، ذكر تعالى الدليل على قدرته تعالى على المعاد، بما يشاهد من بدئه للخلق (١)، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) أي: في شك (مِنَ الْبَعْثِ) وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ) أي: أصل بَرْئه (٢) لكم من تراب، وهو الذي خلق منه آدم، (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي: ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) ذلك أنه إذا استقرت النطفة في رحم المرأة، مكثت أربعين يوما كذلك، يضاف إليه ما يجتمع إليها، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله، فتمكث كذلك أربعين يوما، ثم تستحيل فتصير مضغة -قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط-ثم يشرع في التشكيل والتخطيط، فيصور منها رأس ويدان، وصدر وبطن، وفخذان ورجلان، وسائر الأعضاء. فتارة تُسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط؛ ولهذا قال تعالى: (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) أي: كما تشاهدونها، (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي: وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها، كما قال مجاهد في قوله تعالى: (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) قال: هو السقط مخلوق وغير مخلوق. فإذا مضى عليها أربعون يوما، وهي مضغة، أرسل الله تعالى إليها ملكا فنفخ (٣) فيها الروح، وسواها كما يشاء الله ﷿ (٤)، من حسن وقبيح، وذكر وأنثى، وكتب رزقها وأجلها، وشقي أو سعيد، كما ثبت في الصحيحين، من حديث الأعمش، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود قال: حدثنا رسول الله -وهو الصادق المصدوق-: "إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مُضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: بكتب عمله وأجله ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح" (٥).

وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله قال: النطفة إذا استقرت في الرحم، أخذها (٦) ملك بكفه قال (٧): يا رب، مخلقة أو غير


(١) في ت: "بما شاهد من بين يديه للخلق"، وفي ف: "بما يشاهده من بين يديه للخلق".
(٢) في ت، ف: "تربه".
(٣) في أ: "فينفخ".
(٤) في ف، أ: "الله تعالى".
(٥) صحيح البخاري برقم (٦٥٩٤) وصحيح مسلم برقم (٢٦٤٣).
(٦) في هـ، ت، ف: "جاءها"، والمثبت من الدر المنثور ٣/ ٣٤٥.
(٧) في ت، ف: "فقال".