للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وولدت امرأته جارية، وتأخرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان فقال: والله ما أصبت منذ كنت على دينك هذا إلا شرًا. وذلك الفتنة.

وهكذا ذكر قتادة، والضحاك، وابن جُريج، وغير واحد من السلف، في تفسير هذه الآية.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو المنافق، إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيرت، انقلب فلا يقيم على العبادة إلا لِمَا صلح من دنياه، فإن (١) أصابته فتنة أو شدة أو اختبار أو ضيق، ترك دينه ورجع إلى الكفر.

وقال مجاهد في قوله: (انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) أي: ارتد كافرًا.

وقوله: (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) أي: فلا هو حَصَل من الدنيا على شيء، وأما الآخرة فقد كفر بالله العظيم، فهو فيها في غاية الشقاء والإهانة؛ ولهذا قال: (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) أي: هذه هي الخسارة العظيمة، والصفقة الخاسرة.

وقوله: (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ) أي: من الأصنام والأنداد، يستغيث بها ويستنصرها ويسترزقها، وهي لا تنفعه ولا تضره، (ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) أي: ضرره في الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها، وأما في الآخرة فضرره محقق متيقن.

وقوله: (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ): قال مجاهد: يعني الوثن، يعني: بئس هذا الذي دعا به من دون الله مولى، يعني: وليًا وناصرًا، (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) وهو المخالط والمعاشر.

واختار ابن جرير أن المراد: لبئس ابن العم والصاحب من يعبد [الله] (٢) على حرف، (فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ)

وقول مجاهد: إن المراد به الوثن، أولى وأقرب إلى سياق الكلام، والله أعلم.

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (١٤)﴾.

لما ذكر أهل الضلالة الأشقياء، عطف بذكر الأبرار السعداء، من الذين آمنوا بقلوبهم، وصدّقوا إيمانهم بأفعالهم، فعملوا الصالحات من جميع أنواع القربات، [وتركوا المنكرات] (٣) فأورثهم ذلك سكنى الدرجات العاليات، في روضات الجنات.

ولما ذكر أنه أضل أولئك، وهدى هؤلاء، قال: (إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)


(١) في ت، ف، أ: "فإذا".
(٢) زيادة من ت، ف، أ.
(٣) زيادة من ف، أ.