للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلَائِكَةِ، يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ مِنْ بَيْنِ الْمَلَائِكَةِ -قَالَ: وَكَانَ اسْمُهُ الْحَارِثُ، وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، وخُلقت الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ غَيْرَ هَذَا الْحَيِّ-قَالَ: وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكروا فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ. وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرَفِهَا إِذَا الْتَهَبَتْ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أَشْرَفِ الْمَلَائِكَةِ وَأَكْرَمُهُمْ قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ [السَّمَاءِ] (١) الدُّنْيَا وَسُلْطَانُ الْأَرْضِ، وَكَانَ مِمَّا سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ، مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى أَنَّ لَهُ بِذَلِكَ شَرَفًا عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ، فَوَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ (٢) لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ. فَاسْتَخْرَجَ اللَّهُ ذَلِكَ الْكِبْرَ مِنْهُ حِينَ (٣) أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ "فَاسْتَكْبَرَ، وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَوْلُهُ: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} أَيْ: مِنْ خُزَّانِ [الْجِنَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَكِّيٌّ، وَمَدَنِيٌّ، وَبَصْرِيٌّ، وَكُوفِيٌّ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، نَحْوَ ذَلِكَ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ مِنْ خُزَّانِ] (٤) الْجَنَّةِ، وَكَانَ يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ، بِهِ.

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانَ رَئِيسَ مَلَائِكَةِ سَمَاءِ (٥) الدُّنْيَا.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلاد بْنِ (٦) عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ -قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ الْمَعْصِيَةَ-مِنَ الْمَلَائِكَةِ، اسْمُهُ عَزَازِيلُ، وَكَانَ مِنْ سُكَّانِ الْأَرْضِ. وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلَائِكَةِ اجْتِهَادًا وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا. فَذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى الْكِبْرِ، وَكَانَ مِنْ حَيٍّ يُسَمَّوْنَ جِنًّا.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأمة وَشَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِر، أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَبِيلَةً مِنَ الْجِنِّ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهَا، وَكَانَ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. فَعَصَى، فَسَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَمَسَخَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا -لَعَنَهُ اللَّهُ-مَمْسُوخًا، قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ خَطِيئَةُ الرَّجُلِ فِي كِبْر فَلَا تَرْجُه، وَإِذَا كَانَتْ فِي مَعْصِيَةٍ فَارْجُهُ.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مِنَ الْجَنَّانِينَ، الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْجَنَّةِ.

وَقَدْ رُوي فِي هَذَا آثَارٌ كَثِيرَةٌ عَنِ السَّلَفِ، وَغَالِبُهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي تُنْقَلُ لِيُنْظَرَ فِيهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ كَثِيرٍ مِنْهَا. وَمِنْهَا مَا قَدْ يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَقِّ الَّذِي بِأَيْدِينَا، وَفِي الْقُرْآنِ غُنْيَةٌ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَخْلُو مِنْ تَبْدِيلٍ وَزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ، وَقَدْ وُضِعَ فِيهَا أَشْيَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ الَّذِينَ يَنْفُون عَنْهَا تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، كَمَا لِهَذِهِ [الْأُمَّةِ مِنْ] (٧) الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَالسَّادَةِ الْأَتْقِيَاءِ وَالْأَبْرَارِ وَالنُّجَبَاءِ (٨) مِنَ الْجَهَابِذَةِ النُّقَّادِ، والحفاظ


(١) زيادة من ت، ف، أ.
(٢) في ف: "كبر في قلبه".
(٣) في ت: "حتى".
(٤) زيادة من ف.
(٥) في ت، ف: "السماء".
(٦) في ف: "عن".
(٧) زيادة من ف.
(٨) في أ: "البررة والنجباء".

<<  <  ج: ص:  >  >>