للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال منكرا على الكافرين من قريش: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أي: أَفَهُمْ (١) لا يعرفون محمدًا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم، أفيقدرون (٢) على إنكار ذلك والمباهتة فيه؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب، ، للنجاشي ملك الحبشة: أيها الملك، إن الله بعث إلينا رسولا نعرف نسبه وصدقه وأمانته. وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل، حين سأله وأصحابه عن صفات النبي ونسبه وصدقه وأمانته، وكانوا بعد كفارًا لم يسلموا، ومع هذا ما أمكنهم إلا الصدق فاعترفوا بذلك.

وقوله: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) يحكي قول المشركين عن النبي أنه تقوَّل (٣) القرآن، أي: افتراه من عنده، أو أن به جنونا لا يدري ما يقول. وأخبر عنهم أن قلوبهم لا تؤمن به، وهم يعلمون بطلان ما يقولونه في القرآن، فإنه قد أتاهم من كلام الله ما لا يُطاق ولا يُدافع، وقد تحداهم وجميع أهل الأرض أن يأتوا بمثله، فما استطاعوا ولا يستطيعون أبد الآبدين؛ ولهذا قال: (بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) يحتمل أن تكون هذه جملة حالية، أي: في حال كراهة (٤) أكثرهم للحق، ويحتمل أن تكون خبرية مستأنفة، والله أعلم.

وقال قتادة: ذُكر لنا أن نبي الله لقي رجلا فقال له: "أسلم" فقال الرجل: إنك لتدعوني إلى أمر أنا له كاره. فقال نبي الله : "وإن كنت كارها". وذُكِر لنا أنه لقي رجلا فقال له: "أسلم" فَتَصَعَّده (٥) ذلك وكبر عليه، فقال له نبي الله: "أرأيت لو كنتَ في طريق وَعْر وَعْث، فلقيت رجلا تعرف وجهه، وتعرف نسبه، فدعاك إلى طريق واسع سهل، أكنت متبعه (٦)؟ " قال: نعم. فقال: "فوالذي (٧) نفس محمد بيده، إنك لفي أوعر من ذلك الطريق لو قد كنت عليه، وإني لأدعوك إلى أسهل من ذلك لو دعيت إليه". وذكر لنا أن نبي الله لقي رجلا فقال له: "أسلم" فَتَصَعَّدَه ذلك، فقال له نبي الله : "أرأيت فتييك، أحدهما إذا حدثك صدقك، وإذا (٨) ائتمنته أدى إليك أهو أحب إليك، أم فتاك الذي إذا حدثك كذبك وإذا (٩) ائتمنته خانك؟ ". قال: بل فتاي الذي إذا حدثني صدقني، وإذا ائتمنته أدى إلي. فقال النبي (١٠) : "كذاكم أنتم عند ربكم".

وقوله: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) قال مجاهد، وأبو صالح والسدي: الحق هو الله ﷿، والمراد: لو أجابهم الله إلى ما في أنفسهم من الهوى، وشرع الأمور على وفق ذلك (لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ (١١) وَمَنْ فِيهِنَّ) أي: لفساد أهوائهم واختلافها، كما أخبر عنهم في قولهم: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ ثم قال: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣١، ٣٢] وقال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] وقال: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣]،


(١) في ف: "هم" وفي أ: "أهم".
(٢) في ف، أ: "أفتقدرون".
(٣) في أ: "يقول".
(٤) في ف: "كراهته".
(٥) في ف، أ: "فصعد".
(٦) في ف: "تتبعه".
(٧) في ف: "والذي".
(٨) في ف: "وإن".
(٩) في ف: "وإن".
(١٠) في ف: "نبي الله".
(١١) في ف: "الأرض والسموات".