للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فيقال: يا محمد، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى على أعقابهم، فلأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء، ينادي: يا محمد، يا محمد. فأقول: لا أملك لك شيئا. قد بلغت، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رُغَاء، ينادي: يا محمد، يا محمد. فأقول: لا أملك (١) شيئا، قد بلغت، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا لها حمحمة، فينادي: يا محمد، يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد بلغت، ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل سقاء من أدم، ينادي: يا محمد، يا محمد: فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغت" (٢).

وقال علي بن المديني: هذا حديث حسن الإسناد، إلا أن حفص بن حميد مجهول، لا أعلم روى عنه غير يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي.

قلت: بل قد روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق، وقال فيه يحيى بن معين: صالح. ووثقه النسائي وابن حبان.

وقوله: (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) أي: لعادلون جائرون منحرفون. تقول العرب: نكب فلان عن الطريق: إذا زاغ عنها.

﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥)﴾.

وقوله: (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي: يخبر تعالى عن غلظهم (٣) في كفرهم بأنه لو أراح عللهم وأفهمهم القرآن، لما انقادوا له ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣]، وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾ [الأنعام: ٢٧ - ٢٩]، فهذا من باب علمه تعالى بما لا يكون، لو كان كيف يكون (٤).

[و] (٥) قال الضحاك، عن ابن عباس: كل ما فيه "لو"، فهو مما لا يكون أبدا.


(١) في ف، أ: "لا أملك لك".
(٢) ورواه البزار في مسنده برقم (٩٠٠) وابن عبد البر في التمهيد (٢/ ٣٠٠) من طريق مالك بن إسماعيل عن يعقوب بن عبد الله الأشعري به نحوه. وقال الهيثمي في المجمع (٣/ ٨٥): "رواه أبو يعلى في الكبير والبزار إلا أنه قال: يحمل قشعا مكان سقاء. ورجال الجميع ثقات".
(٣) في أ: "غلطهم".
(٤) في ف، أ: "ولو كان كيف كان يكون".
(٥) زيادة في ف، أ.