للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)﴾.

يقول تعالى آمرًا [نبيه محمدًا ] (١) أن يدعو هذا الدعاء عند حلول النقم: (رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ) أي: إن عاقبتهم -وإني شاهدُ ذلك-فلا تجعلني فيهم، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي -وصححه-: "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون" (٢).

وقوله: (وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ) أي: لو شئنا لأريناك ما نحل (٣) بهم من النقم والبلاء والمحن.

ثم قال مرشدًا له إلى التِّرْياق النافع في مخالطة الناس، وهو الإحسان إلى من يسيء، ليستجلب خاطره، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة، فقال: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)، وهذا كما قال في الآية الأخرى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٤، ٣٥]: أي ما يلهم هذه الوصية أو الخصلة (٤) أو الصفة ﴿إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أي: على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح، ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أي: في الدنيا والآخرة.

وقوله: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ): أمره أن يستعيذ من الشياطين، لأنهم لا تنفع (٥) معهم الحيل، ولا ينقادون بالمعروف.

وقد قدمنا عند الاستعاذة أن رسول الله كان يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من هَمْزه ونَفْخه ونَفْثه" (٦).

وقوله: (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) أي: في شيء من أمري؛ ولهذا أمر بذكر الله في ابتداء الأمور -وذلك مطردة للشياطين (٧) -عند الأكل والجماع والذبح، وغير ذلك من الأمور؛ ولهذا روى أبو داود أن رسول الله كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهَرَم، وأعوذ بك من الهَدْم ومن الغرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت" (٨).

وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) المسند (٥/ ٢٤٣) وسنن الترمذي برقم (٣٢٣٥) من حديث معاذ بن جبل ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح، سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح"
(٣) في ف، أ: "ما يحل".
(٤) في ف: "الخصلة أو الوصية".
(٥) في ف، أ: "لا ينفع".
(٦) انظر الاستعاذة عند تفسير سورة الفاتحة.
(٧) في ف: "للشيطان".
(٨) سنن أبي داود برقم (١٥٥٢).