للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حسناء، عند رجل يحبها، لها ضرائر إلا حَسَدنها، وقيل فيها وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني، فقلت: وقد عَلِم به أبي؟ قالت: نعم. قلت: ورسولُ الله ؟ قالت: نعم، ورسول الله ] (١). فاستَعْبَرْتُ وبكيت، فسمعَ أبو بكر صوتي، وهو فوق البيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكر من شأنها. ففاضت عيناه وقال (٢): أقسمت عليك -أيْ بُنَيّة -إلا رجعت إلى بيتك فَرَجعتُ، ولقد جاء رسول الله بيتي، فسأل عني خادمي (٣) فقالت: لا والله ما علمت عليها عيبا، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خَميرها -أو: عجينها -وانتهرها بعض أصحابه فقال: اصدُقي رَسُولَ الله حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله. والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبْر الذهب الأحمر. وبلغ الأمر ذلك الرجلَ الذي قيل له، فقال: سبحان الله. والله ما كَشَفت كَنَف أنثى قط -قالت عائشة: فقتل شهيدا في سبيل الله -قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله وقد صَلّى العصر، ثم دخل وقد اكتنفَني أبواي، عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد يا عائشة، إن كنت قارفت سُوءًا أو ظَلَمت فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده". قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار، فهي (٤) جالسة بالباب، فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئًا؟ فوعظ رسول الله ، فالتفت إلى أبي، فقلت له: أجبْه. قال: فماذا أقول؟ فالتفتُ إلى أمي فقلت: أجيبيه. قالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه، تَشَّهدتُ فحمدتُ الله وأثنيت عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد، فَوَالله لَئن قلت لكم إني لم أفعل -والله ﷿ يشهد إني لصادقة -ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به، وأشْربته قلوبكم، وإن قلت: إني قد فعلت -والله يعلم أني لم أفعل -لتقولُنَ: قد باءت به على نفسها، وإني -والله -ما أجد لي ولكم مثلا -والتمستُ اسم يعقوب فلم أقدر عليه -إلا أبا يوسف حين قال: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨]، وأنزل الله على رسوله من ساعته، فسكتنا، فَرُفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه ويقول: "أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك" قالت: وكنت (٥) أشد ما كنتُ غضبًا، فقال لي أبواي: قومي [إليه] (٦) فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غَيَّرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينب بنت جحش فقد عصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيرًا. وأما أختها حَمنة بنت جحش، فهلكت فيمن هلك. وكان الذي يتكلم به (٧) مسطح وحسان بن ثابت. وأما المنافق عبد الله بن أبي بن سلول فهو الذي [كان] (٨) يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كِبْرَه منهم هو وحمنة. قالت: وحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحًا بنافعة أبدًا، فأنزل الله: ﴿وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ﴾ إلى آخر الآية، يعني: أبا بكر، ﴿وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ﴾ يعني: مسطحا، إلى قوله: ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢]. فقال أبو بكر: بلى والله يا رَبّنا، إنا لنُحِبّ أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع.

هكذا رواه البخاري من هذا الوجه مُعَلَّقا بصيغة الجزم (٩) عن أبي أسامة حماد بن أسامة [أحد


(١) زيادة من ف، أ، والبخاري.
(٢) في ف: "فقال".
(٣) في ف، أ: "خادمتي".
(٤) في ف: "وهي".
(٥) في ف: "فكنت".
(٦) زيادة من ف، أ، والبخاري.
(٧) في ف: "فيه".
(٨) زيادة من ف، أ، والبخاري.
(٩) صحيح البخاري برقم (٤٧٥٧).