للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مُقابلة ما قال في مثل المؤمنين: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نورًا، وعن أيماننا نورًا، وعن شمائلنا نورًا، وأن يعظم لنا نورًا.

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢)

يخبر تعالى أنه يُسَبِّحه من في السماوات والأرض، أي: من الملائكة والأناسي، والجان والحيوان، حتى الجماد، كما قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٤].

وقوله: (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) أي: في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشدها إليه، وهو يعلم ما هي فاعلة؛ ولهذا قال: (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) أي: كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله، ﷿.

ثم أخبر أنه عالم بجميع ذلك، لا يخفى عليه من ذلك شيء؛ ولهذا (١) قال: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).

ثم أخبر تعالى: أن له ملك السماوات والأرض، فهو الحاكم المتصرف الذي لا معقب لحكمه، وهو الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له. (وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) أي: يوم القيامة، فيحكم فيه بما يشاء؛ ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]، فهو الخالق المالك، ألا له الحكم في الدنيا والأخرى، وله الحمد في الأولى والآخرة؟!.

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (٤٣)

يذكر تعالى أنه بقدرته يسوق السحاب أول ما ينشئها وهي ضعيفة، وهو الإزجاء (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي: يجمعه بعد تفرقه، (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) أي: متراكمًا، أي: يركب بعضه بعضًا، (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي: من خَلَله. وكذا (٢) قرأها ابن عباس والضحاك.

قال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المثيرة فَتَقُمّ الأرض قمًا، ثم يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه، ثم يبعث [الله] (٣) اللواقح فتلقح السحاب. رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، رحمهما الله.

وقوله: (وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ): قال بعض النحاة: "من" الأولى: لابتداء الغاية، والثانية: للتبعيض، والثالثة: لبيان الجنس. وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من


(١) في ف، أ: "ولذا".
(٢) في ف، أ: "وكذلك".
(٣) زيادة من ف.