للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة، فدعي إلى النبي وهو مُحِقّ أذعن، وعلم أن النبي سيقضي له بالحق. وإذا أراد أن يظلم فدُعي إلى النبي أعرض، وقال: أنطلقُ إلى فلان. فأنزل الله هذه الآية، فقال رسول الله : "من كان بينه وبين أخيه شيء، فدُعِي إلى حَكَم من حُكَّام المسلمين فأبى أن يجيب، فهو ظالم لا حق له" (١).

وهذا حديث غريب، وهو مرسل.

ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله، الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله، فقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أي: سمعًا وطاعة؛ ولهذا وصفهم تعالى بفلاح، وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب، فقال: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

وقال قتادة في هذه الآية: (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ذُكر لنا أن عُبَادة بن الصامت -وكان عَقَبيَّا بدريا، أحد نقباء الأنصار -أنه لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية: ألا أنبئك بماذا عليك وَمَاذا لك؟ قال: بلى. قال: فإن عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومَنْشَطك ومكرهك، وأثرةً عليك. وعليك أن تقيم لسانك بالعدل، وألا تنازع الأمرَ أهله، إلا أن يأمروك بمعصية الله بَوَاحا، فما أمرت به من شيء يخالف كتاب الله، فاتبع كتاب الله.

وقال قتادة: وَذُكر (٢) لنا أن أبا الدرداء قال: لا إسلام إلا بطاعة الله، ولا خير إلا في جماعة، والنصيحة لله ولرسوله، وللخليفة وللمؤمنين عامة.

قال: وقد ذُكر لنا أن عمر بن الخطاب، ، كان يقول: عُروة الإسلام شهادةُ أن لا إله إلا الله، وإقامُ الصلاة، وإيتاء الزكاة، والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين.

رواه ابن أبي حاتم، والأحاديث والآثار في وجوب الطاعة لكتاب الله [وسنة رسوله، وللخلفاء الراشدين، والأئمة إذا أمروا بطاعة الله] (٣) كثيرة جدًا، أكثر من أن تحصر في هذا المكان.

وقوله (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي: فيما أمراه به وترك (٤) ما نهياه (٥) عنه، (وَيَخْشَ اللَّهَ) فيما مضى من ذنوبه، (وَيَتَقِهِ) فيما يستقبل.

وقوله (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) يعني: الذين فازوا بكل خير، وأمنُوا من كل شر (٦) في الدنيا والآخرة.


(١) ورواه عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن مرسلا كما في الدر المنثور (٦/ ٢١٣).
(٢) في ف: "وذكروا".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في أ: "ويترك".
(٥) في ف، أ: "نهيا".
(٦) في ف، أ: "سوء".