للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على أهله، ونحو ذلك من الأعمال؛ ولهذا قال: (ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ) أي: إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم من ذلك، ولا عليهم إن رأوا شيئا في غير تلك الأحوال؛ لأنه قد أذن لهم في الهجوم، ولأنهم (طَوَّافُونَ) عليكم، أي: في الخدمة وغير ذلك، ويغتفر في الطوافين ما لا يغتفر في غيرهم؛ ولهذا رَوَى الإمام مالك وأحمد بن حنبل وأهل السنن أن رسول الله قال في الهِرَّة: "إنها ليست بنجَس؛ إنها من الطوافين عليكم -أو -والطوافات" (١).

ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشيء، وكان عمل الناس بها قليلا جدًا، أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس، كما قال ابن أبي حاتم:

حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، حدثني عبد الله بن لَهِيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جُبَيْر قال: قال ابن عباس: ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ [مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ]) (٢) إلى آخر الآية، والآية التي في سورة النساء: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء: ٨]، والآية التي في الحجرات: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣]

وروي أيضًا من حديث إسماعيل بن مسلم -وهو ضعيف -عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رَبَاح، عن ابن عباس قال: غلب الشيطان الناس على ثلاث آيات، فلم يعملوا بهن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) إلى آخر الآية.

وقال أبو داود: حدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة -وهذا حديثه -أخبرنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: لم يؤمن بها أكثر (٣) الناس -آية الإذن -وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي.

قال أبو داود: وكذلك رواه عطاء، عن ابن عباس يأمر به (٤).

وقال الثوري، عن موسى بن أبي عائشة سألت الشعبي: (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)، قال: لم تنسخ. قلت: فإن الناس لا يعملون بها. فقال: الله المستعان.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا ابن وهب، أخبرنا سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عَمرو، عن عكرمة عن ابن عباس؛ أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن، فقال ابن عباس: إن الله ستِّير يحب الستر، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حِجال في بيوتهم، فربما فاجأ الرجلَ خادمُه أو ولده أو يتيمه في حجره،


(١) الموطأ (١/ ٢٣) والمسند (٥/ ٢٩٦) وسنن أبي داود برقم (٧٥) وسنن الترمذي برقم (٩٢) وسنن النسائي (١/ ٥٥) وسنن ابن ماجه برقم (٣٦٧).
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) في ف، أ: "كثير من".
(٤) سنن أبي داود برقم (٥١٩١).