للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعطهن أحد من الأنبياء قبلي فذكر منهن: أنه "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة"، وقال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [لا إِلَهَ إِلا هُوَ] (١) يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [الأعراف: ١٥٨] أي: الذي أرسلني هو مالك السماوات والأرض، الذي يقول للشيء كن فيكون، وهو الذي يحيي ويميت، وهكذا قال هاهنا: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)، فَنزه نفسه عن الولد، وعن الشريك.

ثم أخبر أنه: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) أي: كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت قهره [وتسخيره] (٢)، وتدبيره وتقديره (٣).

﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا (٣)

يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، الخالق لكل شيء، المالك لأزمَّة الأمور، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. ومع هذا عَبَدُوا معه من الأصنام ما لا يقدر على خلق جناح بعوضة، بل هم مخلوقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فكيف يملكون لعابديهم؟ (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا) أي: ليس لهم من ذلك شيء، بل ذلك مرجعه كله إلى الله ﷿، الذي هو يحيي ويميت، وهو الذي يعيد الخلائق يوم القيامة أولهم وآخرهم، ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [لقمان: ٢٨]، ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠]، ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النازعات: ١٣،١٤]، ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الصافات: ١٩]، ﴿إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ [يس: ٥٣]. فهو الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، ولا تنبغي العبادة إلا له؛ لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وهو الذي لا ولد له ولا والد، ولا عديل ولا نديد ولا وزير ولا نظير، بل هو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (٤) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)

يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار، في قولهم عن القرآن: (إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ): أي: كذب، (افْتَرَاهُ) يعنون النبي (٤) ، (وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين. قال الله تعالى: (فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) أي: فقد افتروا هم قولا باطلا هم


(١) زيادة من أوهو الصواب.
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) في ف، أ: "قهره وتقديره وتسخيره وتدبيره".
(٤) في ف، أ: "محمدا".