للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال العوفي، عن ابن عباس في قوله: (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) أي: لا تدعوا اليوم ويلا واحداً، وادعوا ويلا (١) كثيرا.

وقال الضحاك: الثبور: الهلاك.

والأظهر: أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار، كما قال موسى لفرعون: ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٢] أي: هالكا. وقال عبد الله بن الزبَعْرى:

إذْ أجَاري الشَّيطانَ في سَنَن الغيْ … يِ، وَمنْ مَالَ مَيْلَهُ (٢) مَثْبُورُ (٣)

﴿قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (١٥) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا (١٦)﴾.

يقول تعالى: يا محمد، هذا (٤) الذي وصفناه من حال أولئك الأشقياء (٥)، الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم، فتتلقاهم بوجه عبوس وبغيظ (٦) وزفير، ويُلقَون في أماكنها الضيقة مقرَّنين، لا يستطيعون حراكا، ولا انتصاراً ولا فكاكا مما هم فيه -: أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده، التي أعدها لهم، وجعلها لهم جزاء على ما أطاعوه في الدنيا، وجعل مآلهم إليها.

(لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ) [أي] (٧): من الملاذ: من مآكل ومشارب، وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خَطَر على قلب أحد (٨). وهم في ذلك خالدون أبدا دائما (٩) سرمدا بلا انقطاع ولا زوال، ولا انقضاء، لا يبغون عنها حوَلا. وهذا من وَعْد الله الذي تفضل به عليهم، وأحسن به إليهم، ولهذا قال: (كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا) أي لا بد أن يقع وأن يكون، كما حكاه أبو جعفر بن جرير، عن بعض علماء العربية أن معنى قوله: (وَعْدًا مَسْئُولا) أي: وعدا واجبا.

وقال ابن جُرَيْج، عن عطاء، عن ابن عباس (كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا) يقول: سلوا الذي واعدتكم -أو قال: واعدناكم -نُنْجِزْ.

وقال محمد بن كعب القُرَظي في قوله: (كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا): إن الملائكة تسأل لهم ذلك: ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ﴾ [غافر: ٨].

وقال أبو حازم: إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون: ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا، فأنجز لنا ما وعدتنا. فذلك قوله: (وَعْدًا مَسْئُولا).

وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار، ثم التنبيه على حال أهل الجنة، كما ذكر تعالى في


(١) في ف، أ: "بلاءا".
(٢) في أ: "مثله".
(٣) البيت في السيرة النبوية لابن هشام (٢/ ٤١٩).
(٤) في أ: "أهذا".
(٥) في أ: "من هؤلاء الأشقية".
(٦) في أ: "وتغيظ".
(٧) زيادة من ف، أ.
(٨) في ف، أ: "بشر".
(٩) في ف: "دائما أبدا".