للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعني الذين لهم سُحور، والسَّحر: هو الرئة.

والأظهر في هذا قول مجاهد وقتادة: أنهم يقولون: إنما أنت في قولك هذا مسحور لا عقل لك.

ثم قالوا: (مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا) يعني: فكيف أوحي إليك دوننا؟ كما قالوا في الآية الأخرى: ﴿أَؤُلْقِيَ (١) الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ﴾ [القمر: ٢٥، ٢٦].

ثم إنهم اقترحوا عليه آية يأتيهم بها، ليعلموا صدقه بما (٢) جاءهم به من ربهم فطلبوا منه -وقد اجتمع ملؤهم -أن يخرج لهم الآن من هذه الصخرة -وأشاروا إلى صخرة عندهم -ناقة عُشَراء من صفتها كذا وكذا. فعند ذلك أخذ عليهم نبي الله صالح العهود والمواثيق، لئن أجابهم إلى ما سألوا لَيُؤمنَنَ به، [وليصدقنه] (٣)، وليتبعنه، فأنعموا بذلك. فقام نبي الله صالح، ، فصلى، ثم دعا الله، ﷿، أن يجيبهم إلى سؤالهم، فانفطرت تلك الصخرة التي أشاروا إليها عن ناقة عُشَراء، على الصفة التي وصفوها. فآمن بعضهم وكفر أكثرهم، (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) يعني: ترد ماءكم يوما، ويوما تردونه أنتم، (وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) فحذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حينًا من الدهر ترد الماء، وتأكل الورق والمرعى. وينتفعون بلبنها، يحتلبون منها ما يكفيهم شربًا وريًا، فلما طال عليهم الأمد وحضر شقاؤهم، تمالؤوا على قتلها وعقرها.

(فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ) وهو أن أرضهم زُلزلت زلزالا شديدًا، وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت القلوب عن محالها، وأتاهم من الأمر ما لم يكونوا يحتسبون، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٤)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله لوط، ، وهو: لوط بن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل، وكان الله تعالى قد بعثه إلى أمة عظيمة في حياة إبراهيم، وكانوا يسكنون "سدوم" وأعمالها التي أهلكها الله بها، وجعل مكانها بحيرة منتنة خبيثة، وهي مشهورة ببلاد الغور، متاخمة لجبال البيت (٤) المقدس، بينها وبين بلاد الكَرَك والشَّوبَك، فدعاهم إلى الله، ﷿، أن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يطيعوا رسولهم الذي بعثه الله إليهم، ونهاهم عن معصية الله، وارتكاب ما كانوا قد ابتدعوه في العالم، مما لم يسبقهم الخلائق إلى فعله، من إتيان الذكْران دون الإناث؛ ولهذا قال تعالى:

﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (١٦٦) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥)﴾.


(١) في ف، أ: "وأنزل" وهو خطأ.
(٢) في أ: "فيما".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف، أ: "بيت".