للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسليمان، ؟

وقوله: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ) أي: في الملك والنبوة، وليس المراد وراثَةَ المال؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإنه قد كان لداود مائةُ امرأة. ولكن المراد بذلك وراثةُ الملك والنبوة؛ فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، كما أخبر بذلك رسول الله [في قوله] (١): نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة (٢) (٣).

وقوله (٤): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (٥)، أي: أخبر سليمان بنعم الله عليه، فيما وهبه له من الملك التام، والتمكين العظيم، حتى إنه سَخَّر له الإنس والجن والطير. وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضًا، وهذا شيء لم يُعطَه أحد من البشر -فيما علمناه -مما أخبر الله به ورسوله. وَمَنْ زعم من الجهلة والرّعاع أنّ الحيوانات كانت تنطق كنطق بني آدم قبل سليمان بن داود -كما يتفوه به كثير من الناس -فهو قولٌ بلا علم. ولو كان الأمر كذلك لم يكن لتخصيص سليمان بذلك فائدة؛ إذ كلهم يسمع كلام الطيور والبهائم، ويعرف ما تقول، فليس الأمر كما زعموا ولا كما قالوا، بل لم تزل (٦) البهائم والطيور وسائر المخلوقات من وقت خُلقت إلى زماننا هذا على هذا الشكل والمنوال. ولكن الله، ، كان قد أفهم سليمان، ، ما يتخاطب به الطيور في الهواء، وما تنطق (٧) به الحيوانات على اختلاف أصنافها؛ ولهذا قال: (عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي: مما يحتاج إليه الملك، (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) أي: الظاهر البين لله علينا.

قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب، عن أبي هريرة، ، أن رسول الله قال: "كان داود، ، فيه غيرة شديدة، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب، فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع". قال: "فخرج ذات يوم وأغلقت (٨) الأبواب، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لِمَنْ في البيت: من أين دخل هذا الرجل، والدار مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود، فجاء داود، ، فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: الذي لا يهاب الملوك، ولا يمتنع من الحجاب. فقال داود: أنت والله إذًا ملك الموت. مرحبًا بأمر الله، فتزمل داود، ، مكانه حتى قبضت نفسه، حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان، ، للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض،


(١) زيادة من ف، أ.
(٢) في ف، أ: "ما تركناه فهو صدقة".
(٣) رواه البخاري في صحيحه برقم (٦٧٢٧) من حديث عائشة بلفظ: "لا نورث ما تركناه صدقة". قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١٢/ ٨): وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" فقد أنكره جماعة من الأئمة، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ: "نحن" وانظر بقية كلامه وحمله لمعنى الحديث في الفتح.
(٤) في ف: "وقال".
(٥) بعدها في ف، أ: "إن هذا لهو الفضل المبين".
(٦) في ف: "بل نزل".
(٧) في ف: "وما ينطق".
(٨) في ف: "وغلقت".