للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سليمان، ، إلى (١) اتخاذه، فقيل: إنه لما عزم على تزويجها واصطفائها لنفسه؛ ذكر له جمالها وحسنها، ولكن في ساقيها هُلْبٌ (٢) عظيم، ومؤخر أقدامها كمؤخر الدابة. فساءه ذلك، فاتخذ هذا ليعلم صحته أم لا؟ -هذا قول محمد بن كعب القُرَظي، وغيره -فلما دخلت وكشفت عن ساقيها، رأى أحسن الناس وأحسنه قدمًا، ولكن رأى على رجليها شعرًا؛ لأنها ملكة ليس لها بعل (٣) فأحب أن يذهب ذلك عنها فقيل لها: الموسى؟ فقالت: لا أستطيع ذلك. وكره سليمان ذلك، وقال (٤) للجن: اصنعوا شيئًا غير الموسى يذهب به هذا الشعر، فصنعوا له النُوْرَةَ. وكان أول من اتخذت له النّورَة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، ومحمد بن كعب القرظي، والسدي، وابن جُرَيْج، وغيرهم.

وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رُومان: ثم قال لها: ادخلي الصرح، ليريها مُلْكًا هو أعزّ من ملكها، وسلطانا هو أعظم من سلطانها. فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها، لا تشك أنه ماء تخوضه، فقيل لها: إنه صرح مُمَرّد من قوارير. فلما وقفت على سليمان، دعاها إلى عبادة الله وعاتبها في عبادتها الشمس (٥) من دون الله.

وقال الحسن البصري: لما رأت العلْجَةُ الصرح عرفت -والله -أن قد رأت ملكًا أعظم من ملكها.

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه قال: أمر سليمان بالصرح، وقد عملته له الشياطين من زجاج، كأنه الماء بياضا. ثم أرسل الماء تحته، ثم وضع له فيه سريره، فجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجن والإنس، ثم قال: ادخلي الصرح، ليريها ملكا هو أعز من ملكها، وسلطانا هو أعظم من سلطانها (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا)، لا تشك أنه ماء تخوضه، قيل لها: (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ)، فلما وقفت على سليمان، دعاها إلى عبادة الله، ﷿، وعاتبها في عبادتها الشمس من دون الله. فقالت بقول الزنادقة، فوقع سليمان ساجدًا إعظاما لما قالت، وسجد معه الناس، فسقط في يديها حين رأت سليمان صنع ما صنع، فلما رفع سليمان رأسه قال: ويحك! ماذا قلت؟ -قال: (٦) وأنسيت ما قالت (٧) فقالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فأسلمت وحسن إسلامها.

وقد روى الإمام أبو بكر بن أبي شيبة في هذا أثرًا غريبا عن ابن عباس، قال: (٨) حدثنا الحسين بن علي، عن زائدة، حدثني عطاء بن السائب، حدثنا مجاهد، ونحن في الأزد -قال: حدثنا ابن عباس قال: كان سليمان، ، يجلس على سريره، ثم تُوضَعُ كراسي حوله، فيجلس عليها الإنس، ثم يجلس (٩) الجن، ثم الشياطين، ثم تأتي الريح فترفعهم، ثم تظلهم الطير، ثم


(١) في ف: "في".
(٢) في أ: "هلف".
(٣) في ف، أ: "زوج".
(٤) في ف: "وقال سليمان".
(٥) في ف، أ: "الشيطان".
(٦) في ف: "قالت".
(٧) في ف: "ما قلت".
(٨) في ف: فقال.
(٩) في ف: "تجلس".