للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أجله؛ ولهذا قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) أي: يقدر على ذلك، أو إله مع الله يُعْبد، وقد علم أن الله هو المتفرد بفعل ذلك (قَلِيلا مَا يذَكَّرُونَ) (١) أي: ما أقل تذكرهم فيما يرشدهم إلى الحق، ويهديهم إلى الصراط المستقيم.

﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)﴾.

يقول: (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي: بما خلق من الدلائل السماوية والأرضية، كما قال: ﴿وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [النحل: ١٦]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ الآية [الأنعام: ٩٧].

(وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي: بين يدي السحاب الذي فيه مطر، يغيث به عباده المجدبين الأزلين القنطين، (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

﴿أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦٤)﴾.

أي: هو الذي بقدرته وسلطانه يبدأ (٢) الخلق ثم يعيده، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾ [البروج: ١٢، ١٣]، وقال ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].

(وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) أي: بما ينزل من مطر السماء، وينبت من بركات الأرض، كما قال: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: ١١، ١٢]، وقال ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ [الحديد: ٤]، فهو، ، ينزل من السماء ماء مباركًا فيسكنه في الأرض، ثم يخرج به [منها] (٣) أنواع الزروع والثمار والأزاهير، وغير ذلك من ألوان شتى، ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى﴾ [طه: ٥٤]؛ ولهذا قال: (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) أي: فعل هذا. وعلى القول الآخر: يعبد؟ (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) على صحة ما تدعونه (٤) من عبادة آلهة أخرى، (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) في ذلك، وقد علم أنه لا حجة لهم ولا برهان، كما قال [الله]: (٥) ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ [المؤمنون: ١١٧].


(١) في ف، أ: "ما تذكرون".
(٢) في ف، أ: "بدأ".
(٣) زيادة من ف.
(٤) في أ: "من يدعونه".
(٥) زيادة من أ.