للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَة) أي: غاب.

وقال قتادة: (بَلِ ادَّارَكَ (١) عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ) يعني: يُجَهِّلهم (٢) ربهم، يقول: لم ينفذ (٣) لهم إلى الآخرة علم، هذا قول.

وقال ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: "بل أدرك علمهم في الآخرة" حين لم ينفع العلم، وبه قال عطاء الخراساني، والسدي: أن علمهم إنما يُدرك ويكمل يوم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك، كما قال تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [مريم: ٣٨].

وقال سفيان، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن أنه كان يقرأ: "بل أدرك علمهم" قال: اضمحل علمهم في الدنيا، حين عاينوا الآخرة.

وقوله: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا) عائد على الجنس، والمراد الكافرون، كما قال تعالى: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٤٨] أي: الكافرون منكم. (٤) وهكذا قال هاهنا: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا) أي: شاكُّون في وجودها ووقوعها، (بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ) أي: في عمَاية وجهل كبير في أمرها وشأنها.

﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن منكري البعث من المشركين: أنهم استبعدوا إعادة الأجساد بعد صيرورتها عظامًا ورفاتًا وترابًا، ثم قال: (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ) أي: ما زلنا نسمع بهذا نحن وآباؤنا، ولا نرى له حقيقة ولا وقوعًا.

وقولهم: (إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ): يعنون: ما هذا الوعد بإعادة الأبدان، (إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) أي: أخذه (٥) قوم عَمَّن قبلهم، مَنْ قبلهم (٦) يتلقاه بعض عن بعض، وليس له حقيقة.

قال الله تعالى مجيبًا لهم عما ظنوه من الكفر وعدم المعاد: (قُلْ) -يا محمد -لهؤلاء: (سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) أي: المكذِّبين بالرسل وما جاءوهم به من أمر المعاد وغيره، كيف حلت بهم نقَمُ الله وعذابه ونكاله، ونجَّى الله من بينهم رسله الكرام وَمَنْ اتبعهم من المؤمنين، فدل ذلك على صدق ما جاءت به الرسل وصحته.

ثم قال تعالى مسليًا لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي: المكذبين بما جئت به، ولا تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات، (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) أي:


(١) في أ: "أدرك".
(٢) في أ: "بجهلهم".
(٣) في ف: "يتقدم".
(٤) في ف، أ: "منهم".
(٥) في ف: "يأخذه" وفي أ: "أخذ".
(٦) في أ: "كتبهم".