للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦)

يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز، وما اشتمل عليه من الهدى والبينات والفرقان (١): إنه يقص على بني إسرائيل -وهم حملة التوراة والإنجيل - (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، كاختلافهم في عيسى وتباينهم فيه، فاليهود افتروا، والنصارى غَلَوا، فجاء [إليهم] (٢) القرآن بالقول الوسط الحق العدل: أنه عبد من عباد الله وأنبيائه ورسله الكرام، عليه [أفضل] (٣) الصلاة والسلام، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ [مريم: ٣٤].

﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)﴾.

وقوله: (وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي: هدى لقلوب المؤمنين، ورحمة لهم في العمليات.

ثم قال: (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) أي: يوم القيامة، (بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه، (الْعَلِيمُ) بأفعال عباده وأقوالهم.

(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) أي: في أمورك، وبَلّغ رسالة ربك، (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي: أنت على الحق المبين وإن خالفك مَنْ خالفك، مِمَّنْ كتبت (٤) عليه الشقاوة وحَقَّت عليهم كلمة ربك أنهم لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية؛ ولهذا قال: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى) أي: لا تسمعهم شيئًا ينفعهم، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة، وفي آذانهم وَقْر الكفر؛ ولهذا قال: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) [أي] (٥): إنما يستجيب لك مَنْ هو سميع بصير، السمع والبصر النافعُ في القلب والبصيرة الخاضع لله، ولما جاء عنه على ألسنة الرسل، .

﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ (٨٢)﴾.

هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتَرْكِهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض -قيل: من مكة. وقيل: من غيرها. كما سيأتي تفصيله -فَتُكَلِّم الناس على ذلك.

قال ابن عباس، والحسن، وقتادة -ورُوي عن علي : تكلمهم كلاما أي: تخاطبهم مخاطبة.

وقال عطاء الخراساني: تكلمهم فتقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. ويروى هذا عن علي، واختاره ابن جرير. وفي هذا [القول] (٦) نظر لا يخفى، والله أعلم.


(١) في ف: "والبيان".
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) في ف، أ: "كتب".
(٥) زيادة من ف، أ.
(٦) زيادة من ف، أ.