للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن أمره، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٥٢]، وقال ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥]. وفي حديث الصور: أنه في النفخة الثالثة يأمر الله الأرواح، فتوضع في ثقب (١) في الصور، ثم ينفخ إسرافيل فيه بعدما تنبت (٢) الأجساد في قبورها وأماكنها، فإذا نفخ في الصور طارت الأرواح، تتوهج أرواح المؤمنين نورًا، وأرواح الكافرين ظُلمة، فيقول الله، ﷿: وعزتي وجلالي لترجعن كل روح (٣) إلى جسدها. فتجيء الأرواح إلى أجسادها، فتدب فيها كما يَدب السم في اللديغ، ثم يقومون فينفضون التراب من قبورهم، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [المعارج: ٤٣].

وقوله: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) أي: تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطور: ٩، ١٠]، وقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٥، ١٠٧]، وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً﴾ [الكهف: ٤٧].

وقوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي: يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي قد أتقن كل ما خلق، وأودع فيه (٤) من الحكمة ما أودع، (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) أي: هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر فيجازيهم عليه.

﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠)﴾.

ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) -قال قتادة: بالإخلاص. وقال زين العابدين: هي لا إله إلا الله -وقد بيَّن في المكان (٥) الآخر (٦) أن له عَشْر أمثالها (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)، كما قال في الآية الأخرى: ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣]، وقال: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [فصلت: ٤٠]، وقال: ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ: ٣٧].

وقوله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) أي: مَنْ لقي الله مسيئًا لا حسنة له، أو: قد رجحت سيئاته على حسناته، كل بحسبه (٧)؛ ولهذا قال: (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

وقال ابن مسعود وأبو هريرة وابن عباس، ، وأنس بن مالك، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وإبراهيم النَّخَعي، وأبو وائل، وأبو صالح، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، والزهري، والسُّدِّي، والضحاك، والحسن، وقتادة، وابن زيد، في قوله: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ) يعني: بالشرك.


(١) في أ: "نقب".
(٢) في أ: "ما نبتت".
(٣) في ف: "كل ريح".
(٤) في ف: "به".
(٥) في أ: "الموضع".
(٦) يشير ابن كثير إلى الآية: ١٦٠ من سورة الأنعام، وهي قوله تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون).
(٧) في أ: "الحسنة".