للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعلم به إلا هو وموسى، ، فلما سمعها ذلك القبطي لقَفَها من فمه، ثم ذهب بها إلى باب فرعون فألقاها عنده، فعلم بذلك، فاشتد حنقه، وعزم على قتل موسى، فطلبوه وبعثوا وراءه ليحضروه لذلك.

﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠)﴾.

قال تعالى: (وَجَاءَ رَجُلٌ) وصفه بالرّجُولية لأنه خالف الطريق، فسلك طريقًا أقرب من طريق الذين بُعثوا وراءه، فسبق إلى موسى، فقال له: يا موسى (إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) أي: يتشاورون فيك (لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) أي: من البلد (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ).

﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)

لما أخبره ذلك الرجل بما تمالأ عليه فرعون ودولته في أمره، خرج من مصر وحده، ولم يألف ذلك قلبه، بل كان في رفاهية ونعمة ورئاسة، (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) أي: يتلفَّت (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي: من فرعون وملئه. فذكروا أن الله، ، بعث له ملكًا على فرس، فأرشده إلى الطريق، فالله أعلم.

﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)

(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) أي: أخذ طريقًا سالكًا مَهْيَعا فرح بذلك، (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) أي: إلى الطريق الأقوم. ففعل الله به ذلك، وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، فجعله هاديًا مهديًّا.

(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) أي: ولما وصل إلى مدين وورد ماءها، وكان لها بئر تَرده رعاء الشاء (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) أي: جماعة (يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) أي: تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يُؤذَيا. فلما رآهما موسى، ، رق لهما ورحمهما، (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا) أي: ما خبركما لا تردان مع هؤلاء؟ (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) أي: لا يحصل لنا سقي إلا بعد فراغ هؤلاء، (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) أي: فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى.

قال الله تعالى: (فَسَقَى لَهُمَا) قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله، أنبأنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن عَمْرو (١)


(١) في هـ، ت، ف، أ: "عروة بن ميمون" والمثبت من مصنف ابن أبي شيبة.