للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٣٢)﴾.

قد تقدم في تفسير الآية قبلها أن موسى ، قضى أتم الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأنقاهما، وقد يستفاد هذا أيضًا من الآية الكريمة من قوله (١): (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ) أي: الأكمل منهما، والله (٢) أعلم.

قال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: قضى عشر سنين، وبعدها عشرا أخر. وهذا القول لم أره لغيره، وقد حكاه عنه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والله (٣) أعلم.

وقوله: (وَسَارَ بِأَهْلِهِ) قالوا: كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله، فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه، فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره، فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة، فنزل منزلا فجعل كلما أورى زنده لا يُضيء شيئًا، فتعجب من ذلك، فبينما هو كذلك [إذ] (٤) (آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا) أي: رأى نارا تضيء له على بعد، (قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) أي: حتى أذهب إليها، (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ). وذلك لأنه قد أضل الطريق، (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ) أي: قطعة منها (٥)، (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أي: تَتَدفؤون بها من البرد.

قال الله تعالى: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ) أي: من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب، كما قال تعالى (٦): ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ﴾، فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة، والجبل الغربي عن يمينه، والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحْف الجبل مما يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرها، فناداه ربه: (مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ).

قال ابن جرير: حدثنا ابن وَكِيع، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: رأيت الشجرة التي نودي منها موسى، ، سمرة خضراء ترف. إسناده مقارب.

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض مَنْ لا يتهم، عن وهب بن منبه قال: شجرة من العُلَّيق، وبعض أهل الكتاب يقول: من العوسج.

وقال قتادة: هي من العوسج، وعصاه من العوسج.

وقوله تعالى: (أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) أي: الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين، الفعال لما يشاء، لا إله غيره، ولا رب سواه، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات في


(١) في أ: "حيث قال".
(٢) في ت: "فالله".
(٣) في ف: "فالله".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في ت: "قطعة من النار".
(٦) في ت: "قال الله تعالى".