للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقول تعالى منبهًا على برهان نبوة محمد، صلوات الله وسلامه عليه، حيث أخبر بالغيوب الماضية، خبرًا كأن سامعه شاهد ورَاءٍ لما تقدم، وهو رجل أمي لا يقرأ شيئا من الكتب، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئا من ذلك، كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤]، أي: ما كنت حاضرًا لذلك، ولكن الله أوحاه إليك. وهكذا لما أخبره عن نوح وقومه، وما كان من إنجاء الله له وإغراق قومه.

ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [هود: ٤٩] وقال في آخر السورة ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ (١) الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ﴾ [هود: ١٠٠]، وقال بعد ذكر قصة يوسف: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾ [يوسف: ١٠٢]، وقال في سورة طه: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾ [طه: ٩٩] وقال ها هنا -بعدما أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها، وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له -: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأمْرَ) يعني: يا محمد، ما كنت بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي، (وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) لذلك، ولكن الله أوحى إليك ذلك، ليجعله حجة وبرهانًا على قرون قد تطاول عهدها، ونَسُوا حُجَج الله عليهم، وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين.

وقوله: (وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) أي: وما كنت مقيما في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا، حين أخْبرتَ عن نبيها شعيب، وما قال لقومه، وما ردُّوا عليه، (وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي: ولكن نحن أوحينا إليك ذلك، وأرسلناك للناس رسولا.

(وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا) -قال أبو عبد الرحمن النسائي، في التفسير من سننه: أخبرنا علي بن حُجْر، أخبرنا عيسى -وهو ابن يونس -عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن علي بن مُدْرِك، عن أبي زُرْعَة، عن أبي هريرة، (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا)، قال: نودوا: يا أمة محمد، أعطيتكم قبل أن تسألوني، وأجبتكم قبل أن تدعوني.

وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، من حديث جماعة، عن حمزة -وهو ابن حبيب الزيات -عن الأعمش. ورواه ابن جرير من حديث وكيع ويحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن علي بن مُدْرِك، عن أبي زُرْعَة -وهو ابن عمرو بن جرير (٢) -أنه قال ذلك من كلامه، والله أعلم.

وقال مُقاتِل بن حَيَّان: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا): أمتك في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا


(١) في ت، ف: "الغيب" وهو خطأ.
(٢) تفسير الطبري (٢٠/ ٥١) والذي فيه من طريق سفيان ويحيى بن عيسى.