للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} يَعْنِي: نَفَخْنَا فِيهِ الرُّوحَ (١) .

ورُوي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ نَفْخُ الرُّوحِ.

قَالَ ابن عباس: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} يعني بِهِ: الرُّوحَ (٢) . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَالضَّحَّاكُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وابنُ زَيْدٍ، وَاخْتَارَهُ ابنُ جَرِيرٍ (٣) .

وَقَالَ العَوْفِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} يَعْنِي: نَنْقُلُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، إِلَى أَنْ خَرَجَ طِفْلًا ثُمَّ نَشَأَ صَغِيرًا، ثُمَّ احْتَلَمَ، ثُمَّ صَارَ شَابًّا، ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا، ثُمَّ هَرِمًا.

وَعَنْ قَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَا مُنَافَاةَ، فَإِنَّهُ مِنَ ابْتِدَاءِ (٤) نَفْخِ الرُّوحِ [فِيهِ] (٥) شَرَع فِي هَذِهِ التَّنَقُّلَاتِ وَالْأَحْوَالِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ ليُجمع خَلقُه فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَهَلْ هُوَ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ (٦) لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا".

أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ سليمانَ بْنِ مِهْرَان الْأَعْمَشِ (٧) .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَان، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَة قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ (٨) -يَعْنِي: ابْنَ مَسْعُودٍ-إِنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ، طَارَتْ فِي كُلِّ شَعْرٍ وَظُفْرٍ، فَتَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ تَتَحَدَّرُ (٩) فِي الرَّحِمِ فَتَكُونُ عَلَقَةً.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: يَا يَهُودِيُّ، إِنَّ هَذَا يَزعمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. فَقَالَ: لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ. قَالَ: فَجَاءَهُ حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مِمَّ يُخْلَقُ الإنسان؟ فقال: "يا يهودي، من كلٍّ


(١) في ف: "يعني به الروح".
(٢) في ف: "يعني نفخنا فيه الروح".
(٣) تفسير الطبري (٨-٨١) .
(٤) في ف: "ابتدأ".
(٥) زيادة من ف، أ.
(٦) في ف: "أحدكم".
(٧) المسند (١/٣٨٢) وصحيح البخاري برقم (٦٥٩٤) وصحيح مسلم برقم (٢٦٤٣) .
(٨) في ف: "عن خيثمة عن عبد الله قال: قال".
(٩) في ف، أ: "تنحدر".

<<  <  ج: ص:  >  >>