للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك قيصر وكسرى فكيف بك يا بن عمر إذا بَقِيتَ في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين؟ ". قال: فوالله ما برحنا ولا رِمْنا حتى نزلت: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فقال رسول الله : "إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا باتباع الشهوات، فَمَنْ كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله، ألا وإني لا أكنز دينارًا ولا درهمًا، ولا أخبئ رزقا لغد (١) " (٢).

وهذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف.

وقد ذكروا أن الغراب إذا فَقسَ عن فراخه البَيض، خرجوا وهم بيضٌ فإذا رآهم أبواهم كذلك، نفرا عنهم أياما حتى يسود الريش، فيظل الفرخ فاتحًا فاه يتفقد أبويه، فيقيض الله له طيرًا (٣) صغارًا كالبَرغَش فيغشاه فيتقوت منه تلك الأيام حتى يسود ريشه، والأبوان يتفقدانه كل وقت، فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه، فإذا رأوه قد اسودّ ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق، ولهذا قال الشاعر:

يا رازق النعَّاب (٤) في عُشه … وجَابر العَظْم الكَسِير المهيض

وقد قال الشافعي في جملة كلام له في الأوامر، كقول النبي "سافروا تصحوا وترزقوا".

قال البيهقي أخبرنا إملاء أبو الحسن علي بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن غالب، حدثني محمد بن سِنان، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن رَدّاد -شيخ من أهل المدينة -حدثنا عبد الله بن دينار (٥) عن ابن عمر قال: قال رسول الله : "سافروا تصحوا وتغنموا". قال: ورويناه عن ابن عباس (٦).

وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لَهِيعة، عن دَرّاج، عن عبد الرحمن بن حُجَيرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا" (٧).

وقد ورد مثل حديث ابن عمر عن ابن عباس مرفوعا، وعن معاذ بن جبل موقوفا (٨). وفي


(١) في ت: "إلى غد".
(٢) ورواه البغوي في تفسيره (٦/ ٢٥٣) من طريق إسماعيل بن زرارة عن الجراح بن المنهال به - وقال الشوكاني في فتح القدير (٤/ ٢١٣): "وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه النبي فقد كان يعطي نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة، وفي إسناده أبو العطوف الجزري وهو ضعيف". أهـ مستفادا من حاشية تفسير البغوي.
(٣) في ت: "طيورا".
(٤) في ت: "البغاب" وفي أ: "النعام".
(٥) في ت: "وروى البيهقي بسنده"
(٦) السنن الكبرى (٧/ ١٠٢) ورواه ابن عدي في الكامل (٦/ ١٩٠) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن رواد به، وقال: "لا أعلم يرويه غير الرواد هذا، وعامة ما يرويه غير محفوظ" وقال ابن أبي حاتم في العلل (٢/ ٣٠٦): "سألت أبي عن هذا الحديث فقال: هذا حديث منكر".
(٧) المسند (٢/ ٣٨٠) وفيه ابن لهيعة ودراج ضعيفان.
(٨) أما حديث ابن عباس، فرواه البيهقي في السنن الكبرى (٧/ ١٠٢) من طريق بسطام بن حبيب عن القاسم عن أبي حازم عن ابن عباس مرفوعا، ورواه ابن عدي في الكامل (٧/ ٥٧) من طريق نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس، مرفوعا. وقال: "هذه الأحاديث كلها عن الضحاك غير محفوظة". ولم أجده عن معاذ موقوفا، وسيأتي مرفوعا، وجاء من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا. ورواه ابن عدي في الكامل (٣/ ٤٥٤) عن سوار بن مصعب، عن عطية، عن أبي سعيد، مرفوعا وقال: "سوار هذا عامة ما يرويه غير محفوظ".