للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤) } .

يَقُولُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ} أَيْ: أَمَّمَا وَخَلَائِقَ، {مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} يَعْنِي (١) : بَلْ يُؤْخَذون (٢) حَسَب مَا قَدَّرَ لَهُمْ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمَحْفُوظِ وَعَلِمَهُ قَبْلَ كَوْنِهِمْ، أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ، وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وخَلفًا بَعْدَ سَلَفٍ.

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النَّحْلِ: ٣٦] ، وَقَوْلُهُ: {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} يَعْنِي: جُمْهُورَهُمْ وَأَكْثَرَهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس:٣٠] .

وَقَوْلُهُ: {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} أَيْ: أَهْلَكْنَاهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} [الْإِسْرَاءِ: ١٧] .

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أَيْ: أَخْبَارًا وَأَحَادِيثَ لِلنَّاسِ، كَقَوْلِهِ: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [الْآيَةَ] (٣) [سَبَأٍ: ١٩] [ {فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} ] (٤) .

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (٤٦) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ بَعَثَ رَسُولَهُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَخَاهُ هَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، بِالْآيَاتِ وَالْحُجَجِ الدَّامِغَاتِ، وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَاتِ، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ اسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِهِمَا، وَالِانقِيَادِ لِأَمْرِهِمَا، لِكَوْنِهِمَا بَشرين كَمَا أَنْكَرَتِ الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ بِعْثَةَ الرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ، تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ، وَأَغْرَقَهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَجْمَعِينَ، وَأَنْزَلَ عَلَى مُوسَى الْكِتَابَ -وَهُوَ التَّوْرَاةُ-فِيهَا أَحْكَامُهُ وَأَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا قَصَمَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَالْقِبْطَ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر؛ وبعد أن


(١) في ف، أ: "بل".
(٢) في ف، أ: "يوجدون".
(٣) زيادة من ف. وفي هـ: (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) .
(٤) زيادة من ف.

<<  <  ج: ص:  >  >>