للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حمار وبعث معه من الأساورة من قومه في غاية الهوان والذلة، وكتب إلى كسرى يقول: هذا ما طلبت فخُذه. فلما بلغ ذلك كسرى أخذه من الغم ما لا يحصيه إلا الله ﷿، واشتد حنقه على البلد، فاشتد (١) في حصارها بكل ممكن فلم يقدر على ذلك. فلما عجز ركب ليأخذ عليه الطريق من مخاضة جيحون، التي لا سبيل (٢) لقيصر إلى القسطنطينية إلا منها، فلما علم قيصر بذلك احتال بحيلة عظيمة لم يسبق إليها، وهو أنه أرصد جنده وحواصله التي معه عند فم المخاضة، وركب في بعض الجيش، وأمر بأحمال من التبن والبعر والروث فحملت معه، وسار إلى قريب من يوم في الماء مصعدا، ثم أمر بإلقاء تلك الأحمال في النهر، فلما مرت بكسرى ظن هو وجنده أنهم قد خاضوا من هنالك، فركبوا في طلبهم فشغرت المخاضة عن الفرس، وقدم قيصر فأمرهم بالنهوض في الخوض، فخاضوا وأسرعوا السير ففاتوا كسرى وجنوده، ودخلوا القسطنطينية. وكان ذلك يوما مشهودًا عند النصارى، وبقي كسرى وجيوشه (٣) حائرين لا يدرون ماذا يصنعون. لم يحصلوا على بلاد قيصر، وبلادُهم قد خَرّبتها الروم وأخذوا حواصلهم، وسبوا ذراريهم ونساءهم. فكان هذا من غَلب الروم فارسَ، وكان ذلك بعد تسع (٤) سنين من غلب الفرس للروم (٥).

وكانت الواقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبُصرى، على ما ذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما، وهي طرف بلاد الشام مما يلي بلاد الحجاز.

وقال مجاهد: كان ذلك في الجزيرة، وهي أقرب بلاد الروم من فارس، فالله (٦) أعلم.

ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين، وهي تسع؛ فإن البِضْعَ في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع. وكذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي، وابن جرير وغيرهما، من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الجُمَحي، عن الزهري، عن عبُيَد الله بن عبد الله، عن ابن عباس؛ أن رسول الله قال لأبي بكر في مُنَاحَبَة (٧) (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ) ألا احتطت يا أبا بكر، فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع؟ "، ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه (٨).

وروى ابن جرير، عن عبد الله بن عمرو: أنه قال ذلك (٩).

وقوله: (لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي: من قبل ذلك ومن بعده، فبني على الضم لما قُطع المضاف، وهو قوله: (قَبْلُ) عن الإضافة، ونُويت.

وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ) أي: للروم أصحاب قيصر ملك الشام، على فارس أصحاب كسرى، وهم المجوس. وقد كانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قول طائفة كبيرة من العلماء، كابن عباس، والثوري، والسُّدِّي، وغيرهم. وقد ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار، من حديث الأعمش، عن عطية (١٠) عن أبي سعيد قال: لما


(١) في أ: "فجد".
(٢) في أ: "لا مسلك".
(٣) في ت، ف، أ: "وجنوده".
(٤) في ت: "ثلاث".
(٥) في ت، ف: "من غلب فارس للروم" وفي أ: "من غلب فارس الروم".
(٦) في ف: "والله".
(٧) في ت: "مبايعته".
(٨) سنن الترمذي برقم (٣١٩١) وتفسير الطبري (٢١/ ١٢).
(٩) تفسير الطبري (٢١/ ١٦).
(١٠) في ت: "وقد روى مالك".