للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تأكيد. وحكاه عن بعض أهل العربية.

وقال آخرون: [وإن كانوا] (١) من قبل أن ينزل عليهم المطر، (مِنْ قَبْلِهِ) أي: الإنزال (لَمُبْلِسِينَ).

ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس، ويكون معنى الكلام: أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله، ومن قبله -أيضا -قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت، فترقبوه في إبانه فتأخر، فمضت مدة فترقبوه فتأخر، ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط، فبعد ما كانت أرضهم مقشعرة هامدة أصبحت وقد اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج؛ ولهذا قال: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ) يعني: المطر (كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا).

ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها، فقال: (إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى) أي: إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات، (إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١)﴾.

ثم قال تعالى: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ)، يقول (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا) يابسة على الزرع الذي زرعوه، ونبت وشب واستوى على سوقه، فرأوه مصفرا، أي: قد اصفر وشرع في الفساد، لظلوا من بعده، أي: بعد هذا الحال يكفرون، أي: يجحدون ما تقدم [إليهم] (٢) من النعم، كما قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ [الواقعة: ٦٣ - ٦٧].

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا هُشَيْم (٣)، عن يَعْلَى بن عطاء، عن أبيه (٤) عن عبد الله بن عمرو، قال: الرياح ثمانية، أربعة منها رحمة، وأربعة عذاب، فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات. وأما العذاب فالعقيم والصرصر، وهما في البر، والعاصف والقاصف، وهما في البحر [فإذا شاء حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحْمته، ولاقحًا للسحاب تلقحه بحمله الماء، كما يلقح الذكر الأنثى بالحمل، وإن شاء حركه بحركة العذاب فجعله عقيمًا، وأودعه عذابًا أليمًا، وجعله نقمة على من يشاء من عباده، فيجعله صرصرًا وعاتيًا ومفسدًا لما يمر عليه، والرياح مختلفة في مهابها: صبا ودبور، وجنوب، وشمال، وفي منفعتها وتأثيرها أعظم اختلاف، فريح لينة رطبة تغذي النبات وأبدان الحيوان، وأخرى تجففه، وأخرى تهلكه وتعطبه، وأخرى تسيره وتصلبه، وأخرى توهنه وتضعفه] (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو (٦) عبُيَد الله ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي، حدثنا عبد الله بن عَيْاش (٧)، حدثني عبد الله بن سليمان، عن دراج، عن عيسى بن هلال الصدَفي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : "الريح مسخرة من الثانية -يعني الأرض الثانية -فلما أراد الله أن يهلك عادًا، أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحًا تهلك عادًا، فقال: يا رب، أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور. قال له الجبار : لا إذًا تكفأ الأرض وما عليها،


(١) زيادة من أ.
(٢) زيادة من أ.
(٣) في أ: "هاشم".
(٤) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
(٥) زيادة من ت.
(٦) في أ: "ابن".
(٧) في أ: "عباس".