للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والصحيح عند العلماء رواية ابن عمر، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححًا [له] (١)، عن ابن عباس مرفوعًا: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم، كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه، حتى يرد عليه السلام" (٢).

[وثبت عنه أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له، إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المسلم: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف بزيارة الحي له ويستبشر، فروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن عائشة، ، قالت: قال رسول الله : "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده، إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم".

وروي عن أبي هريرة، ، قال: إذا مر رجل بقبر يعرفه فسلم عليه، رد عليه السلام.

وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن رجل من آل عاصم الجَحْدَرِي قال: رأيت عاصمًا الجحدري في منامي بعد موته بسنتين، فقلت: أليس قد متّ؟ قال: بلى، قلت: فأين أنت؟ قال: أنا -والله -في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني، فنتلقى أخباركم. قال: قلت: أجسامكم أم أرواحكم؟ قال: هيهات! قد بليت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواح، قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا إياكم؟ قال: نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله ويوم السبت إلى طلوع الشمس، قال: قلت: فكيف ذلك دون الأيام كلها؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمته.

قال: وحدثنا محمد بن الحسين، ثنا بكر بن محمد، ثنا حسن القصاب قال: كنت أغدو مع محمد بن واسع في كل غداة سبت حتى نأتي أهل الجبان، فنقف على القبور فنسلم عليهم، وندعو لهم ثم ننصرف، فقلت ذات يوم: لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين؟ قال: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويومًا قبلها ويومًا بعدها. قال: ثنا محمد، ثنا عبد العزيز بن أبان قال: ثنا سفيان الثوري قال: بلغني عن الضحاك أنه قال: من زار قبرًا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: لمكان يوم الجمعة.

حدثنا خالد بن خِدَاش، ثنا جعفر بن سليمان، عن أبي التَّيَّاح يقول: كان مُطَرَّف يغدو، فإذا كان يوم الجمعة أدلج. قال: وسمعت أبا التياح يقول: بلغنا أنه كان ينزل بغوطة، فأقبل ليلة حتى إذا كان عند المقابر يقوم وهو على فرسه، فرأى أهل القبور كل صاحب قبر جالسًا على قبره، فقالوا: هذا مطرف يأتي الجمعة ويصلون عندكم يوم الجمعة؟ قالوا: نعم، ونعلم ما يقول فيه الطير. قلت: وما يقولون؟ قال: يقولون سلام عليكم؛ حدثني محمد بن الحسن، ثنا يحيى بن أبي بكر،


(١) زيادة من أ.
(٢) الاستذكار لابن عبد البر من طريق بشر بن بكير، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، مرفوعا. ولفظه: "ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام".