للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأعمالك تعرض علينا، فنشبهها بأعمال الصالحين، فلما كانت هذه المرة استحييت لذلك حياء شديدًا، فلا تخزني فِيمَنْ حولي من الأموات، قال: فكنت أسمعه بعد ذلك يقول في دعائه في السحر، وكان جارًا لي بالكوفة: أسألك إيابة لا رجعة فيها ولا حور، يا مصلح الصالحين، ويا هادي المضلين، ويا أرحم الراحمين.

وهذا باب فيه آثار كثيرة عن الصحابة. وكان بعض الأنصار من أقارب عبد الله بن رواحة يقول: اللهم إني أعوذ بك من عمل أخزى به عند عبد الله بن رواحة، كان يقول ذلك بعد أن استشهد عبد الله.

وقد شرع السلام على الموتى، والسلام على مَنْ لم يشعر ولا يعلم بالمسلم محال، وقد علم النبي أمته إذا رأوا القبور أن يقولوا: "سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية"، فهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد، وإن لم يسمع المسلم الرد، والله أعلم] (١).

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)﴾.

ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالا بعد حال، فأصله من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم يصير عظاما ثم يُكسَى لحما، ويُنفَخ فيه الروح، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفًا واهن القوى. ثم يشب قليلا قليلا حتى يكون صغيرًا، ثم حَدَثا، ثم مراهقًا، ثم شابا. وهو القوة بعد الضعف، ثم يشرع في النقص فيكتهل (٢)، ثم يشيخ ثم يهرم، وهو الضعف بعد القوة. فتضعف الهمة والحركة والبطش، وتشيب اللّمَّة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة؛ ولهذا قال: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) أي: يفعل ما يشاء ويتصرف في عبيده بما يريد، (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).

قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، عن فضيل ويزيد، حدثنا فضيل بن مرزوق (٣)، عن عطية العوفي، قال: قرأت على ابن عمر: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا) (٤)، فقال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا)، ثم قال: قرأتُ على رسول الله كما قرأت علي، فأخذ علي كما أخذتُ عليك.

ورواه أبو داود والترمذي -وحَسَّنه -من حديث فضيل، به (٥). ورواه أبو داود من حديث عبد الله بن جابر، عن عطية، عن أبي سعيد، بنحوه (٦).


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في ت، ف، أ: "فيتكهل".
(٣) في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".
(٤) في أ: "ضعفا وشيبة".
(٥) المسند (٢/ ٥٨) وسنن أبي داود برقم (٣٩٧٨) وسنن الترمذي برقم (٢٩٣٦).
(٦) سنن أبي داود برقم (٣٩٧٩).