للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن وصية لقمان لولده -وهو: لقمان بن عنقاء بن سدون. واسم ابنه: ثاران في قول حكاه السهيلي. وقد ذكره [الله] (١) تعالى بأحسن الذكر، فإنه آتاه الحكمة، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف؛ ولهذا أوصاه أولا بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا، ثم قال محذرًا له: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) أي: هو أعظم الظلم.

قال البخاري حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة (٢)، عن عبد الله، ، قال: لما نزلت: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ [الأنعام: ٨٢]، شق ذلك على أصحاب رسول الله ، وقالوا: أينا لم يَلْبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله : "إنه ليس بذاك، ألا (٣) تسمع إلى قول لقمان: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).

ورواه مسلم من حديث الأعمش، به (٤).

ثم قَرَنَ بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين. كما قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: ٢٣]. وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن.

وقال هاهنا (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ). قال مجاهد: مشقة وَهْن الولد.

وقال قتادة: جهدًا على جهد.

وقال عطاء الخراساني: ضعفا على ضعف.

وقوله: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) أي: تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣].

ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأنه قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥].

وإنما يذكر تعالى تربيةَ الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارًا، ليُذكّر الولد بإحسانها المتقدم إليه، كما قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٤]؛ ولهذا قال: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي: فإني سأجزيك (٥) على ذلك أوفر الجزاء.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا عبد الله بن أبي شيبة، ومحمود بن غَيْلان قالا حدثنا عبيد الله، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق (٦) عن سعيد بن وهب قال: قدم علينا معاذ بن جبل، وكان بعثه النبي ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني [رسول] (٧) رسول الله إليكم: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وأن تطيعوني لا آلوكم خيرًا، وأن المصير إلى


(١) زيادة من ت.
(٢) في ت: "روى البخاري بسنده".
(٣) في أ: "ألم".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٧٧٦) وصحيح مسلم برقم (١٢٤).
(٥) في أ: "سأجازيك".
(٦) في ت: "روى ابن أبي حاتم بسنده".
(٧) زيادة من ت، أ.