للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦)﴾.

يخبر تعالى أنه الخالق للأشياء، فخلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش. وقد تقدم الكلام على ذلك.

(مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) أي: بل هو المالك لأزمة الأمور، الخالق لكل شيء، المدبر لكل شيء، القادر (١) على كل شيء، فلا ولي لخلقه سواه، ولا شفيع إلا من بعد إذنه.

(أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) يعني: أيها العابدون غيره، المتوكلون على من عداه -تعالى وتقدس وتنزه أن يكون له نظير أو شريك أو نديد، أو وزير أو عديل، لا إله إلا هو ولا رب سواه.

وقد أورد النسائي هاهنا حديثا فقال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب، حدثني محمد بن الصباح، حدثنا أبو عبيدة الحداد، حدثنا الأخضر بن عَجْلان، عن أبي جُريْج المكي، عن عطاء، (٢) عن أبي هريرة، أن رسول الله أخذ بيدي فقال: "إن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش في اليوم (٣) السابع، فخلق التربة يوم السبت، والجبال يوم الأحد، والشجر يوم الاثنين، والمكروه يوم الثلاثاء، والنور يوم الأربعاء، والدواب يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعة من النهار بعد العصر، وخلقه من أديم الأرض، بأحمرها وأسودها، وطيبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله من بني آدم الطيب والخبيث". (٤)

هكذا أورد هذا الحديث إسنادًا ومتنا، وقد أخرج مسلم والنسائي أيضا من حديث الحجاج بن محمد الأعور، عن ابن جُرَيج، عن إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبي بنحو من هذا السياق. (٥)

وقد علَّله البخاري في كتاب "التاريخ الكبير" فقال: "وقال بعضهم: أبو هريرة عن كعب الأحبار وهو أصح"، (٦) وكذا علَّله غير واحد من الحفاظ، والله أعلم.

وقوله: (يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) أي: يتنزل (٧) أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة، كما قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢].

وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا، ومسافة ما بينها وبين الأرض [مسيرة] (٨) خمسمائة سنة، وسمك السماء خمسمائة سنة.

وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك: النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام، وصعوده في مسيرة خمسمائة عام، ولكنه يقطعها في طرفة عين؛ ولهذا قال تعالى: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ).


(١) في ت، ف، أ: "القاهر".
(٢) في ت: "وروى مسلم والنسائي حديثا".
(٣) في ت: "على العرش يوم".
(٤) النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٩٢).
(٥) صحيح مسلم برقم (٢٧٨٩) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٠١٠).
(٦) التاريخ الكبير للبخاري (١/ ٤١٣، ٤١٤) وممن أعله من الحفاظ ابن المديني كما نقل ذلك البيهقي في الأسماء والصفات ص (٢٧٥) وقد رد ذلك الشيخ ناصر الألباني في صحيحته برقم (١٨٣٣) والحديث يحتاج إلى بحث، والله اعلم.
(٧) في ت، ف: "ينزل".
(٨) زيادة من ت، ف، أ.