للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه لتلقي ابنها في النار. قال: فَخَفَّضهم رسول الله وقال: "ولا الله (١)، لا يلقي حبيبه في النار".

إسناده على شرط الصحيحين، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة (٢)، ولكن في صحيح الإمام البخاري، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن رسول الله رأى امرأة من السبي قد أخذت صبيا لها، فألصقته إلى صدرها، وأرضعته فقال: "أترون هذه تلقي ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ " قالوا: لا. قال: "فوالله، لله أرحم بعباده من هذه بولدها" (٣).

﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (٤٤)﴾.

وقوله: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) الظاهر أن المراد -والله أعلم - (تَحِيَّتُهُمْ) أي: من الله تعالى يوم يلقونه (سَلامٌ) أي: يوم يسلم عليهم كما قال تعالى: ﴿سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨].

وزعم قتادة أن المراد أنهم يحيي (٤) بعضهم بعضا بالسلام، يوم يلقون الله في الدار الآخرة. واختاره ابن جرير.

قلت: وقد يستدل بقوله (٥) تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠]، وقوله: (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) (٦) يعني: الجنة وما فيها من المآكل والمشارب، والملابس والمساكن، والمناكح والملاذ والمناظر وما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (٤٨)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا فُلَيْح بن سليمان، عن هلال بن علي (٧) عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة. قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ (٨) ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر (٩)، ولن يقبضَه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا".


(١) في أ: "لا والله".
(٢) المسند (٣/ ١٠٤).
(٣) صحيح البخاري برقم (٥٩٩٩).
(٤) في ت: "يحيون".
(٥) في ت، ف، أ: "وقد يستدل له بقوله".
(٦) في ت: "عظيما" وهو خطأ.
(٧) في ت: "روى الإمام أحمد بإسناده".
(٨) في ت: "لا بفظ" وفي أ: "لا فظ".
(٩) في ف: "يعفو ويصفح ويغفر".