للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ) أي: وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم (١)، وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما. وملك ريحانة بنت شمعون النضرية، ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم، ، وكانتا من السراري، .

وقوله: (وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ): هذا عدل وَسط بين الإفراط والتفريط؛ فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا، واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته، فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى، فأباح بنت العم والعمة، وبنت الخال والخالة، وتحريم (٢) ما فَرّطت (٣) فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت، وهذا بشع (٤) فظيع.

وإنما قال: (وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ) فَوَحَّدَ لفظ الذكر لشرفه، وجمع الإناث لنقصهن كقوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨]، ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: ١]، وله نظائر كثيرة.

وقوله: (اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) قال ابن أبي حاتم، :

حدثنا محمد بن عمار بن (٥) الحارث الرازي، حدثنا عبيد الله (٦) بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح (٧)، عن أم هانئ قالت: خطبني رسول الله فاعتذرت إليه بعذري، ثم أنزل الله: (إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ) إلى قوله: (اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) قالت: فلم أكن أحل له، ولم أكن ممن هاجر معه، كنت من الطلقاء. ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب، عن عبيد الله بن موسى، به (٨).

ثم رواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عنها بنحوه.

ورواه الترمذي في جامعه (٩). وهكذا قال أبو رَزين وقتادة: إن المراد: من هاجر معه إلى المدينة. وفي رواية عن قتادة: (اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) أي: أسلمن. وقال الضحاك: قرأ ابن مسعود: "واللاتي هَاجَرْنَ مَعَك".

وقوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا) أي: ويحل لك -يأيها النبي -المرأة المؤمنة إذا وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك. وهذه الآية توالى فيها شرطان، كقوله تعالى إخبارًا عن نوح، ، أنه قال لقومه: ﴿وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤]، وكقول موسى: ﴿يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٨٤].


(١) في أ: "الغنائم".
(٢) في أ: "وحرم".
(٣) في ت: "ما حرموا".
(٤) في ف، أ: "شنيع".
(٥) في أ: "و".
(٦) في أ: "عبد الله".
(٧) في ت: "روى ابن أبي حاتم بإسناده".
(٨) تفسير الطبري (٢٢/ ١٥).
(٩) سنن الترمذي برقم (٣٢١٤) وقال: "هذا حديث حسن صحيح لا أعرفه إلا من هذا الوجه من حديث السدي".