للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) قال عكرمة: أي: لا تحل الموهوبة لغيرك، ولو أن امرأة وهبت نفسها لرجل لم تحل له حتى يعطيها شيئا. وكذا قال مجاهد والشعبي وغيرهما.

أي: إنها إذا فوضت المرأة نفسها إلى رجل، فإنه متى دخل بها وجب لها عليه بها مهر مثلها، كما حكم به رسول الله في بَرْوَع (١) بنت واشق لما فوضت، فحكم لها رسول الله بصداق مثلها لما توفي عنها زوجها، والموت والدخول سواء في تقرير (٢) المهر وثبوت مهر المثل في المفوضة لغير النبي فأما هو، ، فإنه لا يجب عليه للمفوضة شيء ولو دخل بها؛ لأن له أن يتزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود، كما في قصة زينب بنت جحش، . ولهذا قال قتادة في قوله: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)، يقول: ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي .

[وقوله تعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)] (٣) قال أبي بن كعب، ومجاهد، والحسن، وقتادة وابن جرير في قوله: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ) أي: منحَصْرِهم في أربع نسوة حرائر وما شاءوا (٤) من الإماء، واشتراط الولي والمهر والشهود عليهم، وهم الأمة، وقد رخصنا لك في ذلك، فلم نوجب عليك شيئا منه؛ (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).

﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (٥١)﴾.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بشر (٥)، حدثنا هشام بن عُرْوَة، عن أبيه (٦) عن عائشة، ؛ أنها كانت تُعَيِّر (٧) النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ، قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله، ﷿: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ)، قالت: إني أرَى رَبَّك إلا يُسَارع في هواك (٨).

وقد تقدم أن البخاري رواه من حديث أبى أسامة، عن هشام بن عُرْوَة، فدل هذا على أن المراد بقوله: (تُرْجِي) أي: تؤخر (مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) أي: من الواهبات [أنفسهن] (٩) (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) أي: مَنْ شئت قبلتها، ومَنْ شئت رددتها، ومَنْ رددتها فأنت فيها أيضا بالخيار بعد ذلك، إن


(١) في أ: "تزويج".
(٢) في ت: "تقدير".
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) في ت: "وما يشاء".
(٥) في أ: "بشير".
(٦) في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".
(٧) في ف: "تغير من النساء" وفي أ: "تغير النساء".
(٨) المسند (٦/ ١٥٨).
(٩) زيادة من ت.