للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ ابْنُ جُرَيج: أَخْبَرَنِي يَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ (١) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا، وزَنَوا فَأَكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا (٢) كَفَّارَةٌ، فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} ، وَنَزَلَتْ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ] } (٣) [الزُّمَرِ: ٥٣] .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي فَاخِتة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: "إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكَ أَنْ تَعْبُدَ الْمَخْلُوقَ وَتَدَعَ الْخَالِقَ، وَيَنْهَاكَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ وَتَغْذُوَ كَلْبَكَ، وَيَنْهَاكَ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} (٤) .

وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} . رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: {أَثَامًا} وَادٍ فِي جَهَنَّمَ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {يَلْقَ أَثَامًا} أَوْدِيَةٌ فِي جَهَنَّمَ يُعَذَّبُ فِيهَا الزُّنَاةُ. وَكَذَا رُوي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ.

وَقَالَ قَتادَةُ: {يَلْقَ أَثَامًا} نَكَالًا كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ.

وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ لُقْمَانَ كَانَ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَالزِّنَى، فَإِنَّ أَوَّلَهُ مَخَافَةٌ، وَآخِرَهُ نَدَامَةٌ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا -أَنَّ "غَيًّا" وَ"أَثَامًا" بِئْرَانِ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ (٥) أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْهَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: {يَلْقَ أَثَامًا} : جَزَاءً.

وَهَذَا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ؛ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ بِمَا بَعْدَهُ مُبَدَّلًا مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أَيْ: يُكَرَّرُ عَلَيْهِ وَيُغْلَّظُ، {وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} أَيْ: حَقِيرًا ذَلِيلًا.

وَقَوْلُهُ: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ [عَمَلا] صَالِحًا} (٦) أَيْ: جَزَاؤُهُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْقَبِيحَةِ مَا ذُكِرَ {إِلا مَنْ تَابَ} فِي الدُّنْيَا إِلَى اللَّهِ (٧) مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ.

وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ، وَلَا تَعَارُضَ (٨) بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ آيَةِ النِّسَاءِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣] فإن هذه


(١) في أ: "يحدثه".
(٢) في أ: "أن لنا إن عملنا".
(٣) زيادة من ف، أ.
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/٢٧٧) وعزاه لابن أبي حاتم. ووقع فيه: "عن أبي قتادة" فإن كان كذلك فهو موصول، وإن كان كما هو مثبت هنا فهو مرسل، ولم يتبين لي الصواب منهما، والله أعلم.
(٥) تفسير الطبري (١٩/٢٩) .
(٦) زيادة من ف، وهو الصواب.
(٧) في ف: "إلى الله في الدنيا".
(٨) في أ: "ولا معارض".

<<  <  ج: ص:  >  >>