للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُظْهِرَتْ وكُشف (١) عَنْهَا، وَبَدَتْ مِنْهَا عُنقٌ، فَزَفَرَتْ زَفْرَةً بَلَغَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ [إِلَى] (٢) الْحَنَاجِرِ، وَقِيلَ لِأَهْلِهَا تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} (٣) أَيْ: لَيْسَتِ الْآلِهَةُ الَّتِي عَبَدْتُمُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ تُغْنِي عَنْكُمُ الْيَوْمَ شَيْئًا، وَلَا تَدْفَعُ عَنْ أَنْفُسِهَا؛ فَإِنَّكَمْ وَإِيَّاهَا الْيَوْمَ حَصَبُ جَهَنم أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ.

وَقَوْلُهُ: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: فَدُهْوِرُوا (٤) فِيهَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: كُبِّبُوا فِيهَا. وَالْكَافُ مُكَرَّرَةٌ، كَمَا يُقَالُ: صَرْصَرَ. وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ أُلْقِيَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنَ الْكُفَّارِ وَقَادَتِهِمُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الشِّرْكِ.

{وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} أَيْ: أُلْقُوا فِيهَا عَنْ آخِرِهِمْ.

{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: يَقُولُ الضعفاء الذين اسْتَكْبَرُوا: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} [غَافِرٍ:٤٧] . وَيَقُولُونَ وَقَدْ عَادُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ: نَجْعَلُ أَمْرَكُمْ مُطَاعًا كَمَا يُطَاعُ أَمْرُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَعَبَدْنَاكُمْ مَعَ ربِ الْعَالَمِينَ.

{وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ} أَيْ: مَا دَعَانَا إِلَى ذَلِكَ إِلَّا الْمُجْرِمُونَ.

{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ، كَمَا يَقُولُونَ: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الْأَعْرَافِ:٥٣] . وَكَذَا قَالُوا: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} أَيْ: قَرِيبٍ.

قَالَ قَتَادَةُ: يَعْلَمُونَ -وَاللَّهِ -أَنَّ الصَّدِيقَ إِذَا كَانَ صَالِحًا نَفَعَ، وَأَنَّ الْحَمِيمَ إِذَا كَانَ صَالِحًا شَفَعَ.

{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنَّهُمْ يردُّون (٥) إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، لِيَعْمَلُوا بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ -فِيمَا يَزْعُمُونَ -وَهُوَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى (٦) عَنْ تَخَاصُمِ (٧) أَهْلِ النَّارِ فِي سُورَةِ "ص"، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص:٦٤] .

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} أَيْ: إِنَّ فِي مُحَاجَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ وَإِقَامَتِهِ الْحُجَجَ (٨) عَلَيْهِمْ فِي التَّوْحِيدِ لَآيَةً وَدَلَالَةً وَاضِحَةً جَلِيَّةً عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} .

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) } .

هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، (٩) عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وهو أول رسول بُعث


(١) في ف، أ. "وكشفت".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في ف، أ: "تشركون".
(٤) في أ: "صوروا".
(٥) في ف: "أن يردون" وفي أ: "أن يردوا".
(٦) في أ: "الله" وهو خطأ.
(٧) في أ: "بتخاصم".
(٨) في ف: "الحجة".
(٩) في ف، أ: "تعالى"

<<  <  ج: ص:  >  >>