للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]؟ وقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾ [الأنعام: ١٢٣] وقال: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا [فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ] (١)[الإسراء: ١٦]. وقال هاهنا: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) أي: نبي أو رسول (إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا)، وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة.

قال قتادة: هم جَبَابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر. (إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونََ) أي: لا نؤمن به ولا نتبعه.

قال (٢) ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا محمد بن عبد الوهاب عن سفيان عن عاصم، عن أبي رَزِين قال: كان رجلان شريكان (٣) خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر، فلما بعث النبي كتب إلى صاحبه يسأله: ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش، إنما (٤) اتبعه أراذل (٥) الناس ومساكينهم. قال: فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال: دلني عليه -قال: وكان يقرأ الكتب، أو بعض الكتب-قال: فأتى النبي فقال: إلام تدعو؟ قال: "إلى كذا وكذا". قال: أشهد أنك رسول الله. قال: "وما علمك بذلك؟ " قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رُذَالة الناس ومساكينهم. قال: فنزلت هذه الآية (٦): (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)] الآيات] (٧)، قال: فأرسل إليه النبي "إن الله قد أنزل تصديق ما قلت". (٨)

وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل، قال فيها: وسألتك: أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم فزعمت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل.

وقوله تعالى إخبارا عن المترفين المكذبين: (وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينََ) أي: افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك. قال الله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥، ٥٦] وقال: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٥٥]، (٩) وقال تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ [المدثر: ١١ - ١٧].


(١) زيادة من ت.
(٢) في ت: "روى".
(٣) في ت، س: "شريكين".
(٤) في س: "إلا".
(٥) في ت، س: "رذالة".
(٦) في ت، س: "الآيات".
(٧) زيادة من ت، س.
(٨) ورواه ابن أبي شيبة وابن المنذر كما في الدر المنثور (٦/ ٧٠٤) ووقع في الدر: "ابن زيد" بدل: "أبو رزين".
(٩) في ت، س: "أن يعذبهم".