للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: وهذا الحديث في الصحيح، (١) والله أعلم.

﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا (٤٢) اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا (٤٣)﴾.

يخبر تعالى عن قريش والعرب أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم، قبل إرسال الرسول إليهم: (لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ) أي: من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل. قاله الضحاك وغيره، كقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا﴾ [الأنعام: ١٥٦، ١٥٧]، (٢) وكقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الصافات: ١٦٧ - ١٧٠].

قال الله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ) -وهو: محمد -بما أنزل معه من الكتاب العظيم، وهو القرآن المبين، (مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا)، أي: ما ازدادوا (٣) إلا كفرًا إلى كفرهم، ثم بين ذلك بقوله: (اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ) أي: استكبروا عن اتباع آيات الله، (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) أي: ومكروا بالناس في صدِّهم إياهم عن سبيل الله، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) [أي: وما يعود وبال ذلك إلا عليهم (٤) أنفسهم دون غيرهم.

قال (٥) ابن أبي حاتم: ذكر علي بن الحسين، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه، أن رسول الله قال: "إياك ومكر السيئ، فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله] (٦)، ولهم من الله طالب"، (٧)، وقد قال محمد بن كعب القُرَظِي: ثلاث من فعلهن لم ينجُ حتى ينزل به من مكر أو بغي أو نكث، وتصديقها في كتاب الله: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ). ﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾ [يونس: ٢٣]، ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [الفتح: ١٠].

وقوله: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأوَّلِينَ) يعني: عقوبة الله لهم على تكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره (٨)، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا) أي (٩) لا تغير ولا تبدل، بل هي جارية كذلك في كل


(١) لم أعثر على الحديث في الصحيحين، وهو في سنن الترمذي برقم (٣٥٣٦) وصحيح ابن خزيمة برقم (١٩٣) والمسند للإمام أحمد (٤/ ٢٤٠) ما يوافق ذلك من حديث صفوان بن عسال، ، ولفظه عند ابن خزيمة: "إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرته سبعون سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" نحوه.
(٢) في ت: "أو يقولوا".
(٣) في ت: "ما زادوهم".
(٤) في ت: "على".
(٥) في ت: "روى".
(٦) زيادة من ت، س، أ.
(٧) وهذا مرسل ولم أجد مَنْ أخرجه غير ابن أبي حاتم، وقد روى ابن المبارك في الزهد برقم (٧٢٥) عن الزهري مرسلا نحوه.
(٨) في ت: "على تكذيبهم أمره ومخالفتهم رسله".
(٩) في ت: "يعني".