للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣) } .

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا رَسُولَهُ وَآمِرًا لَهُ أَنْ يَقُولَ: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} ، كَمَا قَالَ: {قُلْ (١) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} [يُونُسَ: ١٠٤] .

وَإِضَافَةُ الرُّبُوبِيَّةِ إِلَى الْبَلْدَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيفِ لَهَا وَالِاعْتِنَاءِ بِهَا، كَمَا قَالَ: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قُرَيْشٍ: ٣، ٤] .

وَقَوْلُهُ: {الَّذِي حَرَّمَهَا} أَيِ: الَّذِي إِنَّمَا صَارَتْ حَرَامًا قَدَرًا وَشَرْعًا، بِتَحْرِيمِهِ لَهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعضَد شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتُه إِلَّا لِمَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا" الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَالْمَسَانِيدِ مِنْ طُرُقِ جَمَاعَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ (٢) ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ (٣) كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} : مِنْ بَابِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَيْ: هُوَ رَبُّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ، {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أَيِ: الْمُوَحِّدِينَ الْمُخْلِصِينَ الْمُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ المطيعين له. ب

وَقَوْلُهُ: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} أَيْ: عَلَى النَّاسِ أُبَلِّغُهُمْ إِيَّاهُ، كَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} [آلِ عِمْرَانَ: ٥٨] ، وَكَقَوْلِهِ: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الْقَصَصِ: ٣] أَيْ: أَنَا مُبَلِّغٌ وَمُنْذِرٌ، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} أَيْ: لِي سَوِيَّةُ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَنْذَرُوا قَوْمَهُمْ، وَقَامُوا بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ، وخَلَصُوا مِنْ عُهْدَتِهِمْ، وَحِسَابُ أُمَمِهِمْ عَلَى اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرَّعْدِ: ٤٠] ، وَقَالَ: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هُودٍ: ١٢] .

{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} ، أَيِ: لِلَّهِ الْحَمْدُ الَّذِي لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ


(١) في هـ: "قال" والمثبت من ف، أ.
(٢) صحيح البخاري برقم (١٨٣٤) وصحيح مسلم برقم (١٣٥٣) وسنن أبي داود برقم (٢٠١٨) وسنن الترمذي برقم (١٥٩٠) وسنن النسائي (٥/٢٠٣) والمسند (١/٢٥٩) .
(٣) في ف: "في".

<<  <  ج: ص:  >  >>