للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كان أيسر علينا من ذلك، (إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) قال: فأهلك الله ذلك الملك، وأهلك أهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض، فلم يبق (١) منهم باقية.

وقيل: (وَمَا كُنَّا مُنزلِينَ) أي: وما كنا ننزل الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم، بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم.

وقيل: المعنى في قوله: (وَمَا أَنزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ) أي: من رسالة أخرى إليهم. قاله مجاهد وقتادة. قال قتادة: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله، (إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ).

قال ابن جرير: والأول أصح؛ لأن الرسالة لا تسمى جندًا.

قال المفسرون: بعث الله إليهم جبريل، ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون عن آخرهم، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد.

وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي أنطاكية، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلا من عند المسيح، ، كما نص عليه قتادة وغيره، وهو الذي لم يذكر عن (٢) واحد من متأخري المفسرين غيره، وفي ذلك نظر من وجوه:

أحدها: أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله، ﷿، لا من جهة المسيح، كما قال تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ إلى أن قالوا: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [يس: ١٤ - ١٧]. ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح، ، والله أعلم. ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [يس: ١٥].

الثاني: أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح؛ ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتَاركة، وهن القدس لأنها بلد المسيح، وأنطاكية لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها، والإسكندرية لأن فيها (٣) اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة (٤) والشمامسة والرهابين. ثم رومية لأنها مدينة الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأطَّدَه. ولما ابتنى القسطنطينية نقلوا البترك من رومية إليها، كما ذكره غير واحد ممن ذكر تواريخهم كسعيد بن بطريق وغيره من أهل الكتاب والمسلمين، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية قد ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله (٥)، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم (٦)، فالله أعلم.

الثالث: أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة، وقد ذكر أبو سعيد الخدري وغير واحد من السلف: أن الله تعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى﴾ [القصص: ٤٣]. فعلى هذا يتعين أن هذه القرية


(١) في س: "تبق".
(٢) في أ: "غير"
(٣) في ت، س: "منها".
(٤) في ت، س: "القساقسة".
(٥) في ت: "رسلهم".
(٦) في ت، س: "أخذتهم".