للحساب يوم القيام بين يدي الله، ﷿، فيجازيهم بأعمالهم كلها خيرها وشرها، ومعنى هذه كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [هود: ١١١].
وقد اختلف القراء في أداء هذا الحرف؛ فمنهم مَنْ قرأ:"وَإن كل لَمَا" بالتخفيف، فعنده أن "إن" للإثبات، ومنهم مَنْ شدد "لَمَّا"، وجعل "إن" نافية، و "لمَّا" بمعنى "إلا" تقديره: وما كل إلا جميع لدينا محضرون، ومعنى القراءتين واحد، والله أعلم.
يقول تعالى:(وَآيَةٌ لَهُمُ) أي: دلالة لهم على وجود الصانع وقدرته التامة وإحيائه الموتى (الأرْضُ الْمَيْتَةُ) أي: إذا كانت ميتة هامدة لا شيء فيها من النبات، فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج؛ ولهذا قال:(أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) أي: جعلناه رزقا لهم ولأنعامهم، (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ) أي: جعلنا فيها أنهارًا سارحة في أمكنة، يحتاجون إليها ليأكلوا من ثمره. لما امتن على خلقه بإيجاد الزروع لهم عَطَف بذكر الثمار وتنوعها وأصنافها.
وقوله:(وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي: وما ذاك كله إلا من رحمة الله بهم، لا بسعيهم ولا كدهم، ولا بحولهم وقوتهم. قاله ابن عباس وقتادة؛ ولهذا قال:(أَفَلا يَشْكُرُونَ)؟ أي: فهلا يشكرونه على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى؟ واختار ابن جرير -بل جزم به، ولم يحك غيره إلا احتمالا-أن "ما" في قوله: (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) بمعنى: "الذي"، تقديره: ليأكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم، أي: غرسوه ونصبوه، قال: وهي كذلك في قراءة ابن مسعود (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ).
ثم قال:(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ) أي: من زروع وثمار ونبات. (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) فجعلهم ذكرًا وأنثى، (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) أي: من مخلوقات شتى لا يعرفونها، كما قال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الذاريات: ٤٩].