للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حديث غريب (١).

وقوله (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزفُونَ)، كما قال في الآية الأخرى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ﴾ [الواقعة: ١٧ - ١٩] فنزه الله خمر الآخرة (٢) عن الآفات التي في خمر الدنيا، من صداع الرأس ووجع البطن -وهو الغول-وذهابها بالعقل جملة، فقال تعالى هاهنا: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) أي: بخمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها ولا فراغها.

قال مالك، عن زيد بن أسلم: خمر جارية (٣) بيضاء، أي: لونها مشرق حسن بهى لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء، من حمرة أو سواد أو أصفرار أو كدورة، (٤) إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم.

وقوله ﷿: (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أي طعمها طيب كلونها، وطيب الطعم دليل على طيب الريح، بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك.

وقوله: (لا فِيهَا غَوْلٌ) يعني: لا تؤثر فيهم غولا -وهو وجع البطن. قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد-كما تفعله خمر الدنيا من القُولَنْج ونحوه، لكثرة مائيتها.

وقيل: المراد بالغول هاهنا: صداع الرأس. وروي هكذا عن ابن عباس.

وقال قتادة: هو صداع الرأس، ووجع البطن. وعنه، وعن السدي: لا تغتال عقولهم، كما قال الشاعر:

فَمَا زَالَتِ الكأسُ تَغْتَالُنا … وتَذْهبُ بالأوَّل الأوَّلِ (٥) (٦)

وقال سعيد بن جبير: لا مكروه فيها ولا أذى. والصحيح قول مجاهد: إنه وجع البطن.

وقوله: (وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ) قال مجاهد: لا تذهب عقولهم، وكذا قال ابن عباس، ومحمد بن كعب، والحسن، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، والسدي، وغيرهم.

وقال الضحاك، عن ابن عباس: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول. فذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال، كما ذكر في سورة "الصافات" (٧).

وقوله: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي: عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن. كذا قال ابن


(١) ورواه البخاري في التاريخ الكبير (٣/ ٣٨٦) في ترجمة زيد بن أبي أوفى من طريق حسان بن حسان به، وقال: "لا يتابع عليه".
(٢) في ت، س: "الجنة".
(٣) في ت، س: " جاري ".
(٤) في ت: "كدرة".
(٥) في ت: "فالأول".
(٦) البيت في تفسير الطبري (٢٣/ ٣٥).
(٧) في ت: "والصافات".