للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تعالى] (١) القسم الذي لا يختارونه لأنفسهم؟ ولهذا قال: (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي: سلهم على سبيل الإنكار عليهم: (أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) كقوله: ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [النجم: ٢١، ٢٢].

وقوله: (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ) أي: كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم؟ كقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ١٩] أي: يسألون عن ذلك يوم القيامة.

وقوله: (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) أي: من كذبهم (لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ) أي: صدر منه الولد (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) فذكر الله عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب، فأولا جعلوهم بنات الله، فجعلوا لله ولدًا. وجعلوا ذلك الولد أنثى، ثم عبدوهم من دون الله. وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم.

ثم قال منكرا عليهم: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ) أي: أيّ شيء يحمله عن (٢) أن يختار البنات دون البنين؟ كقوله: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا﴾ [الإسراء: ٤٠]؛ ولهذا قال: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ أي: ما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون؟.

﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)

(أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ) أي: حجة على ما تقولونه.

(فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أي: هاتوا برهانا على ذلك يكون مستندًا إلى كتاب مُنزل من السماء عن الله: أنه اتخذ ما تقولونه، فإن ما تقولونه لا يمكن استناده (٣) إلى عقل، بل لا يُجَوّزُه العقل بالكلية.

وقوله: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) قال مجاهد: قال المشركون: الملائكةُ بناتُ الله. فسأل أبو بكر، : فمن أمهاتهن؟ قالوا: بنات سَرَوات الجن. وكذا قال قتادة، وابن زيد، ولهذا قال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أي: الذين نسبوا إليهم ذلك: (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) أي: إن الذين قالوا ذلك لمحضرون في العذاب يوم الحساب لكذبهم في ذلك وافترائهم، وقولهم الباطل بلا علم.

وقال العوفي: عن (٤) ابن عباس في قوله: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) قال: زعم أعداء الله أنه هو وإبليس أخوان. حكاه ابن جرير (٥).

وقوله: (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي: تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد، وعما يصفه به الظالمون الملحدون علوا كبيرا.

وقوله: (إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع، وهو من مثبت، إلا أن يكون الضمير في قوله: (عَمَّا يَصِفُونَ) عائدا إلى جميع الناس ثم استثنى منهم المخلصين، وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي ومرسل. وجعل ابن جرير هذا الاستثناء من قوله: (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ)، وفي هذا الذي قاله نظر.

﴿


(١) زيادة من ت، أ.
(٢) في أ: "على".
(٣) في س: "إسناده".
(٤) في ت: "وعن".
(٥) تفسير الطبري (٢٣/ ٦٩).