للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (١٦)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد وأنت رسول الله: (إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، وهو يوم القيامة. وهذا شَرْط، ومعناه التعريض بغيره بطريق الأولى والأحرى، (قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) وهذا أيضا تهديد وتَبَرّ (١) منهم، (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ) أي: إنما الخاسرون كل الخسران (٢) (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي: تفارقوا فلا التقاء لهم أبدا، سواء ذهب أهلوهم إلى الجنة وقد ذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع أسكنوا النار، ولكن لا اجتماع لهم ولا سرور، (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) أي: هذا هو الخسار البين الظاهر الواضح.

ثم وصف حالهم في النار فقال: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) كما قال: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: ٤١]، وقال: ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٥].

وقوله: (ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ) أي: إنما يَقص خبر هذا الكائن لا محالة ليخوف به عباده، لينزجروا عن المحارم والمآثم.

وقوله: (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) أي: اخشوا بأسي وسطوتي، وعذابي ونقمتي.

﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ (١٨)

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا) نزلت في زيد بن عمرو بن نُفَيل، وأبي ذر، وسلمان الفارسي.

والصحيح أنها شاملةٌ لهم ولغيرهم، ممن اجتنب عبادة الأوثان، وأناب إلى عبادة الرحمن. فهؤلاء هم الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

ثم قال: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي: يفهمونه ويعملون بما فيه، كقوله تعالى لموسى حين آتاه التوراة: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: ١٤٥].

(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ) أي: المتصفون بهذه الصفة هم الذين هداهم الله في الدنيا والآخرة (٣)، أي: ذوو العقول الصحيحة، والفطَر المستقيمة.


(١) في أ: "وتبري".
(٢) في ت، س: "الخاسرون".
(٣) في س: "والأخرى".