للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) أي: يحكم بالعدل.

وقال الأعمش: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس [] (١) في قوله: (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة، وبالسيئة السيئة (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

وهذا الذي فسر به ابن عباس في هذه الآية كقوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١] (٢). وقوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي: من الأصنام والأوثان والأنداد، (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) أي: لا يملكون شيئا ولا يحكمون بشيء (إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي: سميع لأقوال خلقه، بصير بهم، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الحاكم العادل في جميع ذلك.

﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٢١) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٢)

يقول تعالى: أولم يسر هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد (فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي: من الأمم المكذبة بالأنبياء، ما حل بهم من العذاب والنكال مع أنهم كانوا أشد من هؤلاء قوة (وَآثَارًا فِي الأرْضِ) أي: أثروا في الأرض من البنايات والمعالم والديارات، ما لا يقدر عليه هؤلاء، كما قال: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ [الأحقاف: ٢٦]، وقال ﴿وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ [الروم: ٩] أي: ومع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد، أخذهم الله بذنوبهم، وهي كفرهم برسلهم، (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) أي: وما دفع عنهم عذاب الله أحد، ولا رده عنهم راد، ولا وقاهم واق.

ثم ذكر علة أخذه إياهم وذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها، فقال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) أي: بالدلائل الواضحات والبراهين القاطعات، (فَكَفَرُوا) أي: مع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا، (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ) أي: أهلكهم ودمَّر عليهم وللكافرين أمثالها، (إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) أي: ذو قوة عظيمة وبطش شديد، وهو (شَدِيدُ الْعِقَابِ) أي: عقابه أليم شديد وجيع. أعاذنا الله منه.

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (٢٥)

يقول تعالى مسليا لنبيه (٣) في تكذيب من كذبه من قومه، ومبشرًا له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والآخرة، كما جرى لموسى بن عمران (٤)، فإن الله تعالى أرسله بالآيات البينات، والدلائل (٥) الواضحات؛ ولهذا قال: (بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ) والسلطان هو: الحُجة والبرهان.

(إِلَى فِرْعَوْنَ) هو: ملك القبط بالديار المصرية، (وَهَامَانَ) وهو: وزيره في مملكته (وَقَارُونَ) وكان أكثر الناس في زمانه مالا وتجارة (فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) أي: كذبوه وجعلوه ساحرًا مُمَخْرِقًا مموهًا كذابًا في أن الله أرسله. وهذه كقوله [تعالى] (٦): ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات ٥٢، ٥٣].

(فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا) أي: بالبرهان القاطع الدال على أن الله تعالى أرسله إليهم، (قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ) وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل. أما الأول: فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى، أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم، أو لمجموع الأمرين. وأما الأمر الثاني: فللعلة الثانية، لإهانة هذا الشعب، ولكي يتشاءموا بموسى، ؛ ولهذا قالوا: ﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩].

قال قتادة: هذا أمر بعد أمر.

قال الله تعالى: (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) أي: وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئلا يُنصروا عليهم، إلا ذاهب وهالك في ضلال.

﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (٢٦) وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (٢٧)


(١) زيادة من أ.
(٢) في س: "لتجزي".
(٣) في س: "لنبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه".
(٤) في أ: "لموسى ".
(٥) في ت: "والدلالات".
(٦) زيادة من ت، س.