للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال المؤمن محذرًا قومه زوال نعمة الله عنهم (١) وحلول نقمة الله بهم: (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ) أي: قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض، فراعوا هذه النعمة بشكر الله، وتصديق رسوله ، واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله، (فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) أي: لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر، ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء.

(قَالَ فِرْعَوْنُ) لقومه، رادًّا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى) أي: ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون، فإنه كان يتحقق صدق موسى فيما جاء به (٢) من الرسالة ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢]، وقال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤].

فقوله: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى) كذب فيه وافترى، وخان الله ورسوله ورعيته، فغشهم وما نصحهم وكذا قوله: (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) أي: وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك، وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ [هود: ٩٧]، وقال تعالى: ﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾ [طه: ٧٩]، وفي الحديث: "ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا لم يَرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام" (٣).

﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (٣١) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣)

هذا إخبار من الله، ﷿، عن هذا الرجل الصالح، مؤمن آل فرعون: أنه حذر قومه بأس الله في الدنيا والآخرة فقال: (يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأحْزَابِ) أي: الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر، كقوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم من الأمم المكذبة، كيف حل بهم بأس الله، وما رده عنهم راد، ولا صده عنهم صاد.


(١) في س، أ: "عليهم".
(٢) في س: "جاءه".
(٣) رواه البخاري في صحيحه برقم (٧١٥٠، ٧١٥١) ومسلم في صحيحه برقم (١٤٢) بنحوه من حديث معقل بن يسار .